إبراهيم يدعو ربّه:
في هذه الآية توجّه إبراهيم إلى ربّه بطلبين هامين لسكنة هذه الأرض المقدسة، أشرنا إلى أحدهما في الآية السّابقة.
القرآن يذكّر بما قاله إبراهيم: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً﴾.
وكما ذكرنا في الآية السابقة، استجاب الله لدعاء إبراهيم، وجعل هذه الأرض المقدسة مركزاً آمناً بالمعنى الواسع لكلمة لأمن.
والطلب الآخر هو: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الَّثمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ﴾.
يوهكذا يطلب إبراهيم «الأمن» أوّ، ثم «المواهب الإِقتصادية»، إشارة إلى أنّ الإِقتصاد السالم لا يتحقق إلاّ بعد الأمن الكامل.
وللمفسرين آراء عديدة في معنى «الثّمرات»، ويبدو أن معناها واسع يشمل النعم المادية والنعم المعنوية.
وعن الإِمام الصادق (عليه السلام) : «هِيَ ثَمَرَاتُ الْقُلُوبِ» إِشارة إلى جعل قلوب النّاس تهوي إلى هذه الأرض.
إبراهيم في دعائه إقتصر على المؤمنين بالله واليوم الآخر، ولعل ذلك كان بعد أن قال له الله سبحانه: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِيَ الظَّالِمِينَ﴾ ففهم أن مجموعة من ذريّته سيسلكون طريق الشرك والظلم، فاستثناهم في دعائه.
والله سبحانه استجاب لإِبراهيم طلبه الثاني أيضاً، ولكنه ﴿قَالَ وَمَنْ كَفَرَ يفَأُمَتِّعُهُ قَليِ﴾ فِي الدُّنْيا، ﴿ثُمَّ اضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ في الحياة الآخرة.
هذه في الواقع صفة «الرحمانية» وهي الرحمة العامة للباري تعالى التي تشمل كل المخلوقات، صالحهم وطالحهم في الدنيا.
أما الآخرة فهي عالم رحمته الخاصة التي لا ينالها إلاّ من آمن وعمل صالحاً.
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا﴾ البلد أو المكان ﴿بَلَدًا آمِنًا﴾ ذا أمن كعيشة راضية أو آمنا أهله كليل نائم ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ ومن آمن بدل البعض من أهله ﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ عطف على محذوف أي ارزق من آمن ومن كفر ﴿فَأُمَتِّعُهُ﴾ أزمانا أو متاعا ﴿قَلِيلاً﴾ في الدنيا قل متاع الدنيا قليل ﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ﴾ ألزمه ﴿إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ والمخصوص محذوف أي العذاب.