الآية التّالية تبيّن سبب عنادهم وتعصبهم، فتقول: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة) أي أنّهم بإِصرارهم على الإِنحراف والسير في طريق ملتو وتعصبهم الناشيء عن الجهل ورفض التسليم للحق، أضاعوا قدرتهم على الرؤية الصحيحة والإِدراك السليم، فراحوا يعيشون في متاهات الضلال والحيرة.
هنا أيضاً نسب هذا الفعل إِلى الله كما سبق من قبل، وهو في الواقع نتيجة أعمالهم وسوء فعالهم، وما نسبة ذلك إِلى الله إِلاّ لأنّه علّة العلل ومبدأ عالم الوجود، وكل خصيصة في أي شيء إِنّما هي بإِرادته، وبعبارة أُخرى: إِنّ الله جعل من النتائج الحتمية للعناد والتعصب الأعمى والإِنحراف أن يكون لها مثل هذا الأثر، وهو إِنحراف الإِنسان شيئاً فشيئاً في هذا الطريق، فلا يعود يدرك الأُمور إِدراكاً سليماً.
ثمّ تشير الآية في الخاتمة إِلى أنّ الله، يترك أمثال هؤلاء في حالتهم تلك لكي يشتد ضلالهم وتزداد حريتهم: (ونذرهم في طغيانهم يعمهون) (3).
نسأل الله أن يجنبنا الإِبتلاء بمثل هذا الضلال والحيرة الناتجة عن أعمالنا السيئة، وأن يمنحنا النظرة السليمة الكاملة لكي نرى الحقيقة ناصعة لا غبش عليها.
﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ نطبع عليها عقوبة فلا يفقهون الحق ولا يبصرونه فلا يؤمنون بها ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ﴾ بما أنزل من الآيات ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي لا نكفهم عن ضلالهم حتى يترددوا متحيرين.