التّفسير
لماذا لا يرعوي المعاندون؟
هذه الآية تتبع سابقاتها في تعقيب الحقيقة نفسها، وهدف هذه الآيات هو بيان كذب أُولئك الذين طلبوا تحقيق معجزات عجيبة وغريبة يستحيل تحقق بعضها كما مرّ (مثل رؤية الله جهرة).
فهم يظنون أنّهم بطلبهم تلك المعجزات العجيبة سوف يزعزعون أفكار المؤمنين ويزلزلون عقائد الباحثين عن الحق ويشغلونهم عن ذلك.
فيصرّح القرآن في الآية المذكورة قائلا: (ولو أنّنا نزلنا إِليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا) (1).
ثمّ يؤكّد ذلك أنّهم لا يمكن أن يؤمنوا إِلاّ في حالة واحدة وهي أن يجبرهم الله بإِرادته على الإِيمان: (إِلاّ أن يشاء الله) إِلاّ أنّ إِيماناً كهذا لا ينفع في تربيتهم ولا يؤثر في تكاملهم وفي النهاية يقول: (ولكنّ أكثرهم يجهلون).
هناك كلام مختلف بين المفسّرين عمّن يعود إِليهم الضمير "هم" في هذه العبارة، فقد يعود إِلى المؤمنين الذين أصروا على رسول الله (ص) أن يحقق للمشركين طلباتهم ويأتيهم بكل معجزة يريدونها.
وذلك لأنّ معظم هؤلاء المؤمنين كانوا يجهلون زيف الكفار في دعواهم، ولكنّ الله كان عالماً بأنّهم كاذبون، ولذلك لم يجبهم إِلى طلباتهم، إِلاّ أنّ دعوة رسول الله (ص) لا يمكن أن تخلو - طبعاً - من معجزة، فقد حقق الله في مواضع خاصّة معجزات مختلفة على يده.
والإِحتمال الآخر هو أنّ الضمير "هم" يعود إِلى الكفار أصحاب الطلبات أنفسهم، أي أنّ أكثرهم يجهل قدرة الله على تحقيق كل أمر خارق للعادة، ولعلهم يعتبرون قدرته محدودة لذلك كانوا يصفون معاجز الرّسول بالسحر، يقول سبحانه: (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلّوا فيه يعرجون لقالوا إِنّما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) (2) فهم قوم معاندون وجاهلون وينبغي أن لا يهتم أحد بكلامهم.
﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى﴾ كما اقترحوه وقالوا لو لا أنزل علينا الملائكة وقالوا فأتوا بآبائنا ﴿وَحَشَرْنَا﴾ جمعنا ﴿عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً﴾ بضم أوليه جمع قبيلة أي جماعات أو جمع قبيل بمعنى كفيل أو كفلاء أو مصدر بمعنى مقابلة كما قرىء بكسر القاف وفتح الباء ﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ﴾ عند هذه الآيات ﴿إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ﴾ جبرهم على الإيمان ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ ذلك فيطمعون في إيمانهم.