التّفسير
هذه الآية في الواقع هي نتيجة الآيات السابقة، إِذ تقول: بعد كل تلك الأدلة والآيات الواضحة التي تؤكّد التوحيد: (أفغير الله ابتغي حكماً) (1) ؟ وهو الذي أنزل هذا الكتاب السماوي العظيم الذي فيه كل إِحتياجات الإِنسان التربوية، وما يميز بين الحق والباطل والنّور والظلمة، والكفر والإِيمان: (وهو الذي أنزل إِليكم الكتاب مفصلا).
وليس الرّسول والمسلمون وحدهم يعلمون أنّ هذا الكتاب قد نزل من الله، بل إِنّ أهل الكتاب (اليهود والنصارى) يعلمون ذلك أيضاً، لأنّ علائم هذا الكتاب السماوي قرؤوها في كتبهم ويعلمون أنّه نزل من الله بالحق: (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزل من ربّك بالحق).
وعلى ذلك لم يبق مجال للشك فيه، وكذلك أنت أيّها النّبي لا تشك فيه أبداً، (فلا تكونن من الممترين).
هنا يبرز هذا السؤال: هل كان النّبي (ص) يداخله أدنى شك ليخاطب بمثل هذا القول؟
والجواب: هو ما سبق أن قلناه في مثل هذه الحالات، وهو أن المخاطب في الحقيقة هم الناس، وما مخاطبة النّبي مباشرة إِلاّ لتوكيد الموضوع وترسيخه، وليكون التحذير للناس أقوى وأبلغ.
﴿أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ أي قل لهم أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن ﴿مُفَصَّلاً﴾ مبينا فيه الحق من الباطل وهو بإعجازه مغن عن كل آية ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ أي مؤمنوهم كابن سلام واضرابه ﴿يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ في أنه منزل منه من باب التهييج أو في علمهم بذلك والخطاب لكل أحد، أو من باب إياك أعني.