التّفسير
نعلم أنّ آيات هذه السورة نزلت في مكّة، يوم كان المسلمون قلّة في العدد، ولعل قلّتهم هذه وكثرة المشركين وعبدة الأصنام كانت مدعاة لتوهم بعضهم أنّه إِذا كان دين أُولئك باطلا فلم كثر أتباعه؟! وإِذا كان دين الإِسلام حقّاً، فما سبب قلّة معتنقيه؟
ولدفع هذا التوهم يخاطب الله نبيّه بعد ذكر أحقّية القرآن في الآيات السابقة قائلا: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله).
وفي الجملة التّالية يبيّن سبب ذلك، وهو أنّهم لا يتبعون المنطق والتفكير السليم، بل هم يتبعون الظنون التي تخالطها الأهواء والأكاذيب ويمتزج بها الخداع والتخمين: (إِن يتبعون إِلاّ الظن وإِن هم إِلاّ يخرصون) (1).
فيكون مفهوم الآية الشريفة أنّ الأكثرية لا يمكن أنّ تكون وحدها الدليل على طريق الحق، ومن هذا نستنتج أنّه يجب التوجه إِلى الله وحده لمعرفة طريق الحق، حتى لو كان السائرون في هذا الطريق قلّة في العدد.
﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ﴾ أي الكفار ﴿يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ دينه ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ﴾ وهو ظنهم أن آباءهم على حق أو آراؤهم الفاسدة ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون أن الله أحل كذا.