الآية الثّالثة تذكر قانوناً عاماً، لاحتمال أن يرتكب بعضهم هذا الإِثم في الخفاء، وتقول: (وذروا ظاهر الإِثم وباطنه).
يقال إِنّهم في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الزنا إِذا ارتكب في الخفاء فلا بأس به، أما إِذ ارتكب علناً فهو الإِثم! واليوم - أيضاً - نجد أُناساً يسيرون وفق هذا المنطق الجاهلي فيخشون إِرتكاب الإثم علانية، ولكنّهم يرتكبون في الخفاء ما يشاؤون من الآثام دون رادع من ضمير.
إِنّ هذه الآية لا تدين هذا المنطق فحسب، بل تحمل مفاهيم واسعة، فهي بالإِضافة إِلى ما قلناه آنفاً تتضمن الكثير من التفاسير التي وردت للإِثم الظاهر والباطن، من ذلك مثلا - قولهم: اِنّ الإِثم الظاهر هو ما يرتكب بوساطة أعضاء الجسم، والإِثم الباطن هو ما يرتكب في القلب وفي النيّة والعزم.
ثمّ من باب تهديد المذنبين بما ينتظرهم من مصير مشؤوم وتذكيرهم بذلك، تقول الآية: (إِن الذين يكسبون الإِثم سيجزون بما كانوا يقترفون).
عبارة (يكسبون الإِثم) تعبير رائع يشير إِلى أن الإِنسان في هذه الدنيا أشبه بأصحاب رؤوس الأموال الذين يدخلون سوقاً كبيرة، أنّ رؤوس أموالهم الذكاء والعقل والعمر والشباب والطاقات المختلفة التي هي مواهب الله، فالمسكين ذاك الذي "يكتسب" الإِثم بدل أن يكتسب السعادة والشخصية الإِنسانية والتقوى والقرب إِلى الله.
و"سيجزون" أي ينالون الجزاء في المستقبل القريب... قد يشير إِلى يوم القيامة، وأنّه وإن بدا في نظر بعضهم بعيداً، فهو في الحقيقة قريب جداً، وإن هذا العالم سرعان ما تنطوي أيّامه ويحين المعاد.
وقد يكون إشارة إِلى أنّ أغلب أفراد البشر ينالون في هذه الدنيا بعض ما يستحقونه من نتائج أعمالهم السيئة بشكل ردود فعل فردية وإِجتماعية .
﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ ما أعلن وما أسر وما بالجوارح وما بالقلب والإثم قيل الزنا وقيل كل معصية ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾ يكتسبون.