لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول قيل في نزول الآية الأُولى إِنّ أبا جهل الذي كان من ألد أعداء الإِسلام والرّسول (ص) آذى يوماً رسول الله (ص) إِيذاءً شديداً، وكان "حمزة" عم النّبي (ص) - ذاك الرجل الشجاع - لم يسلم بعد، بل كان ما يزال يقلب الأمر في ذهنه، وقد خرج في ذلك اليوم كعادته للصيد في الصحراء، وعند عودته سمع بما جرى بين أبي جهل وابن أخيه، فغضب غضباً شديداً وذهب إِلى أبي جهل وصفعه صفعة أسالت الدم من أنفه، وعلى الرغم من مكانة أبي جهل ونفوذه في عشيرته، فإِنّ لم يرد عليه لما يعرفه عن شجاعة حمزة. وعاد حمزة إِلى الرّسول الله (ص) وأعلن إِسلامه، ومنذ ذلك اليوم أصبح جندياً من جنود الإِسلام، ودافع عنه حتى إِستشهد بين يدي رسول الله (ص). هذه الآية نزلت بشأن هذه الحادثة وبيّنت إِسلام حمزة، وإِصرار أبي جهل على الكفر والفساد. وتفيد بعض الرّوايات الأُخرى أنّ الآية نزلت بشأن إِسلام عمار بن ياسر وإِصرار أبي جهل على الكفر. ومهما يكن، فإِنّ هذه الآية - مثل الآيات الأُخرى - لا تختص بواقعة نزولها، بل هي ذات مفهوم واسع يصدق على كل مؤمن صادق وكل معاند لجوج. التّفسير الإِيمان والرّؤية الواضحة: ترتبط هذه الآية بالآيات السابقة من حيث كون الآيات السابقة أشارت إِلى طائفتين من الناس: المؤمنين المخلصين، والكافرين المعاندين الذين لا يكتفون بضلالهم، بل يسعون حثيثاً إِلى تضليل الآخرين، هنا أيضاً يتجسد وضع هاتين الطائفتين من خلال ضرب مثل واضح. يشير المثال إِلى طائفة من الناس كانوا من الضّالين، ثمّ غيروا مسيرتهم باعتناق الإِسلام فهؤلاء أشبه بالميت الذي يحييه الله بإِرادته: (أو من كان ميتاً فأحييناه). كثيراً ما يسعمل القرآن "الموت" و"الحياة" بالمدلول المعنوي لهما لتمثيل الكفر والإِيمان، وهذا يدل على أنّ الإِيمان ليس مجرّد معتقدات جافة وأوراد وطقوس، بل هو بمثابة الروح التي تحل في النفوس الميتة غير المؤمنة، فتؤثر عليها في جميع شؤونها، وتمنح العيون الرؤية، والآذان قدرة السمع، واللسان قوة البيان، والأطراف العزم على اداء النشاطات البناءة... الإِيمان يغير الأفراد، ويشمل هذا التغيير كل جوانب الحياة، وتبدو آثاره في كل الحركات والسكنات. وتفيد جملة (فأحييناه) أنّ الإِيمان - وإِن استلزم سعي الإِنسان لنيله - لا يتم إِلاّ بهداية من الله! ثمّ تقول الآية عن أمثال هؤلاء: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس). على الرغم من وجود الإِختلاف في تفسير هذا "النّور" فالظاهر أنّ المقصود ليس القرآن وتعاليم الشرع فحسب، بل أكثر من ذلك، حيث يمنح الإِيمان بالله الإِنسان رؤية وإِدراكاً جديدين... يمنحه رؤية واضحة ويوسع من آفاق نظرته لتتجاوز إِطار حياته المادية وجدران عالم المادة الضيق إِلى عالم أرحب وأوسع. ولما كان الإِيمان يدعو الإِنسان إِلى أن يبني نفسه، فانه يزيح عن عينيه أغشية الأنانية والتعصب والمعاندة والأهواء، ويريه حقائق ما كان قادراً على إِدراكها من قبل. إِنّه في ضوء هذا النّور يستطيع أن يميز مسيرة حياته بين الناس، وأنّ يصون نفسه ويحافظ عليها ويحصنها ضد ما يقع فيه الآخرون من أخطار الطمع والجشع والأفكار المادية المحدودة، والوقوف بوجه أهوائه وكبح جماحها. إِنّ ما نقرأه في الأحاديث الإِسلامية من أنّ "المؤمن ينظر بنور الله" إِشارة إِلى هذه الحقيقة، إِنّ مجرّد الوصف غير قادر على تبيان خصائص هذه الرؤية الإِيمانية التي يمنحها الله للإِنسان، بل ينبغي أن يذوق الإِنسان طعمها لكي يدرك بنفسه مغزى هذا القول ويحس به. ثمّ تقارن الآية بين هذا الإِنسان الحي، الفعال، النير، والمؤثر، بالإِنسان العديم الإِيمان والمعاند، فتقول: (كمن مَثَله في الظّلمات ليس بخارج منها). نلاحظ أنّ الآية لا تقول: "كمن في الظّلمات" بل تقول: (كمن مَثَله في الظّلمات) يقول بعضهم: إِنّ الهدف من هذا التعبير هو إِثبات أنّ هولاء الأفراد غارقون في الظّلمات والتعاسة إِلى الحد الذي جعلهم مثلا يعرفه المدركون. وقد يكون ذلك إِشارة إِلى معنى أدق هو: أنّه لم يبق من وجود هؤلاء الأفراد سوى شبح، أو قالب، أو مثال أو تمثال، لهم هياكل خالية من الروح وأدمغة معطلة عن العمل. لابدّ من القول - أيضاً - إِن "النّور" الذي يهدي المؤمنين جاء بصيغة المفرد، بينما "الظّلمات" التي يعيش فيها الكافرون جاءت بصيغة الجمع، وذلك لأنّ الإِيمان ليس سوى حقيقة واحدة، وهو يرمز إِلى الوحدة والتوحيد، بينما الكفر وعدم الإِيمان مدعاة للتشتت والتفرقة. وفي الختام تشير الآية إِلى سبب مصير هؤلاء المشؤوم فتقول: (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون). سبق أن قلنا: إِنّ من خصائص تكرار العمل القبيح أنّ قبحه يتضاءل في عين الفاعل حتى يبدو له أخيراً وكأنّه عمل جميل، ويتحول إِلى مثل القيد يشد أطرافه، ويمنعه من الخروج من هذا الفخ، إِنّ مطالعة بسيطة لحال المجرمين تكشف لنا هذه الحقيقة بجلاء. ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا﴾ أي كافرا بالتخفيف والتشديد ﴿فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ بالهدى إلى الإيمان ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ علما بالحجج الفاصلة بين الحق والباطل ﴿كَمَن مَّثَلُهُ﴾ صفته ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾ ظلمات الكفر ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ حال من فاعل الظرف ﴿كَذَلِكَ﴾ كما زين للمؤمن إيمانه ﴿زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ زينه الشيطان أو الله بتخليتهم وشأنهم والآية نزلت في حمزة أو عمار وأبي جهل.