ولمّا كان بطل هذه المشاهد في جانبها السلبي هو "أبو جهل" الذي كان من كبار مشركي قريش ومكّة، فالآية الثّانية تشير إِلى حال هؤلاء الزعماء الضالين وقادة الكفر والفساد، فتقول: (وكذلك جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها).
كررنا القول من قبل: أنّ سبب نسبة أمثال هذه الأفعال إِلى الله، لكونه تعالى هو علّة العلل ومسبب الأسباب ومصدر كل القدرات، والانسان يستخدم ما وهبه الله من إِمكانات طالحاً كان هذا الفعل أم صالحاً.
جملة "ليمكروا" تشير إِلى عاقبة أعمالهم، ولا تعني الهدف من خلقهم (1) أي أنّه عاقبة عصيانهم وكثرة ذنوبهم أدت بهم إِلى أن يصبحوا سداً على طريق الحق، وعاملا على جر الناس نحو الإِنحراف والإِبتعاد عن طريق الحق، فالمكر في الأصل هو اللف والدوران، ثمّ أطلق على كل عمل منحرف مقرون بالإِخفاء.
وفي الختام تقول الآية: (وما يمكرون إِلاّ بأنفسهم ومايشعرون).
وأي مكر وخديعة أعظم من أن يقوم هؤلاء باستخدام كل رؤوس أموال وجودهم، بما في ذلك فكرهم وذكاؤهم وإِبتكاراتهم وأعمارهم ووقتهم وأموالهم، في صفقة لا تعود عليهم بأي ربح، بل تثقل ظهورهم بأحمال الذنوب والآثام الثقيلة، ظانين أنّهم قد أحرزوا الربح والإِنتصار!
كما يستفاد من هذه الآية أنّ النكبات والتعاسة التي تصيب المجتمع إِنّما تنشأ من كباره وقادته، إِذ إِنّهم هم الذين يتوسلون بالمكر والحيلة لتغيير معالم الطريق إِلى الله، ويخفون وجه الحق عن الناس.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما جعلنا فساق مكة أكابرها ﴿جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ﴾ مفعول ثان ﴿مُجَرِمِيهَا﴾ أول خليناهم ﴿لِيَمْكُرُواْ فِيهَا﴾ وخص الأكابر لأن الناس لهم أطوع ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ﴾ لعود وباله عليهم ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بذلك.