لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير لولا دعاؤكم، لما كانت لكم قيمة: هذه الآية التي هي الآية الأخيرة في سورة الفرقان، جاءت في الحقيقة نتيجة لكل السورة، وللأبحاث التي بصدد صفات "عباد الرحمن" في الآيات السابقة، فيقول تبارك وتعالى مخاطباً النّبي(ص): (قل ما يعبؤبكم ربّي لو لا دعاؤكم). "يعبؤ" من مادة "عبء" بمعنى "الثقل"، وعلى هذا فجملة لا يعبأ يعني لايزن، وبعبارة أُخرى لا يعتني. ولو أن احتمالات كثيرة ذكرت هنا في مسألة معنى الدعاء، لكن أساس جميعها يعود إلى أصل واحد. فذهب البعض: إن الدعاء هو نفس ذلك المعنى المعروف للدعاء. بعض آخر فسّره بمعنى الإيمان. وبعض بمعنى العبادة والتوحيد. وآخر، بمعنى الشكر. وبعض: بمعنى التضرع إلى الله في المحن والشدائد. لكنّ أساس جميعها هو الإيمان والتوجه إلى الله. وبناء على هذا، يكون مفهوم الآية هكذا: إن ما يعطيكم الوزن والقيمة والقدر عند الله هو الإِيمان بالله والتوجه إليه، والعبودية له. ثمّ يضيف تعالى: (فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً). من الممكن التصور أن تضاداً بين بداية الآية ونهايتها، أو أنّه لا يبدو على الأقل الإرتباط والإنسجام اللازم بينهما، ولكن إذا دققنا قليلا يتّضح أنّ المقصود أساساً هو: أنّكم قد كذبتم فيما مضى بآيات الله وبأنبيائه، فإذا لم تتوجهوا إلى الله، ولم نسلكوا طريق الإيمان به والعبودية له، فلن تكون لكم أية قيمة أو مقام عنده، وستحيط بكم عقوبات تكذيبكم.(1) ومن جملة الشواهد الواضحة التي تؤيد هذا التّفسير، الحديث المنقول عن الإمام الباقر(ع) ، أنّه سُئِلَ: "كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء"؟ فقال(ع): "كثرة الدعاء أفضل وقرأ هذه الآية".(2) بحث الدعاء طريق إصلاح النفس ومعرفة الله: معلوم أن مسألة الدعاء أعطيت أهمية كبيرة في آيات القرآن والرّوايات الإسلامية، حيث كانت الآية أعلاه أنموذجاً منها، غير أن قد يكون القبول بهذا الأمر ابتداءً صعباً على البعض، كأنّه يقال: الدعاء عمل سهل جدّاً، ويمكن أن يؤديه الجميع أو يتوسعون أكثر فيقولون: الدعاء عمل المغلوبين على أمرهم، الأمر الذي لا أهمية له. لكن الإشتباه هنا ينشأ من أنّهم ينظرون إلى الدعاء الخالي من شرائطه، في حين إذا أخذت الشرائط الخاصّة للدعاء بنظر الإعتبار، فإن هذه الحقيقة تثبت بوضوح. وهي أن الدعاء وسيلة مؤثرة في إصلاح النفس، والإرتباط القريب بين الله والإنسان. أوّل شرائط الدعاء، معرفة المدعو. الشرط الثاني: تخلية القلب وإعداد الروح لدعائه تبارك وتعالى، ذلك لأن الإنسان حينما يذهب باتجاه أحد، ينبغي أن يملك الإستعداد للقائه. الشرط الثّالث للدعاء: هو جلب رضاه من يدعوه الإنسان، ذلك لأنّه لا يحتمل التأثير بدون ذلك الأنادراً. وأخيراً فالشرط الرّابع لاستجابة الدعاء: هو أن يستخدم الإنسان كلّ قدرته، وقوته واستطاعته في عمله، ويؤديه بأعلى درجة من الجدّ والإجتهاد، ثمّ يرفع يديه ويوجه قلبه إلى بارئه بالدعاء في ماوراء ذلك. ذلك لأنّه ورد صريحاً في الرّوايات الإسلامية، أن الإنسان إذا قصّر في العمل الذي يستطيع أن يؤديه بنفسه، ثمّ يتوسل بالدعاء فلن يستجاب دعاؤه. من هنا، فإنّ الدعاء وسيلة لمعرفة الخالق ومعرفة صفاته الجمالية والجلالية، ووسيلة أيضاً للتوبة من الذنب، ولتطهير الروح، وسبب أيضاً لأداء الحسنات للجهاد والجدّ والاجتهاد إلى منتهى الإستطاعة. لهذا نجد عبارات مهمّة حول الدعاء لا يمكن فهمها إلاّ على ضوء ما قلناه، مثلا: نقرأ في رواية عن النّبي(ص): "الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السماوات والأرض".(3) ونقرأ في حديث آخر عن أمير المؤمنين علي(ع): "الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح، وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي، وقلب تقي".(4) ونقرأ في حديث عن الإمام الصادق(ع): "الدعاء أنفذ من السنان".(5) فضلا عن كل ذلك، فإن من الطبيعي أن حوادث تقع في حياة الإنسان، فتغرقه في اليأس من حيث الأسباب الظاهرية، فالدعاء يمكنه أن يكون شرفة على أمل الفوز، ووسيلة مؤثرة في مواجهة اليأس والقنوط. لهذا فالدعاء إزاء الحوادث الصعبة المرهقة، يمنح الإنسان قدرة وقوة وأملا وطمأنينة، وأثراً لا يمكن إنكاره من الناحية النفسية. وقدّمنا بحثاً مفصلا بصدد مسألة الدعاء، وفلسفته، وشرائطه، ونتائجه، في التّفسير الأمثل ذيل الآية (186) من سورة البقرة، فتفضل بمراجعته هناك من أجل التوضيح أكثر. اللّهمّ، أجعلنا من خاصّة عبادك، وترحم علينا بتوفيق اكتساب خصائص وصفات "عباد الرحمن". ربّنا، افتح لنا أبواب الدعاء واجعل ذلك سبباً لتثمين وجودنا بين يديك. اللّهمّ، تفضل علينا بتوفيقات الدعاء المطلوبة بين يديك، ولا تحرمنا من الإستجابة. إنّك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. نهاية سورة الفرقان ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ ما يصنع أو لا يكترث بكم ﴿لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ عبادتكم له أو دعاؤه إياكم إلى الذين ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ بما أعلمتكم به إذ خالفتم ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ﴾ جزاء تكذيبكم أو أثره ﴿لِزَامًا﴾ لازما لكم في الآخرة.