التّفسير
يشير القرآن في هذه الآية إِلى عمل قبيح آخر من أعمال عبدة الأصنام القبيحة وجرائمهم الشائنة، ويذكر أنّه كما ظهر لهم أنّ تقسيمهم الحصص بين الله والأصنام عمل حسن بحيث إِنه اعتبروا هذا العمل القبيح والخرافي، بل والمضحك، عملا محموداً، كذلك زين الشركاء قتل الأبناء في أعين الكثيرين من المشركين بحيث إِنّهم راحوا يعدون قتل الأولاد نوعاً من "الفخر" و"العبادة": (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم).
"الشّركاء" هنا هم الأصنام، فقد كانوا أحياناً يقدمون أبناءهم قرابين لها، أو كانوا ينذرون أنّهم إِذا وهبوا ابناً يذبحونه قرباناً لأصنامهم، كما جاء في تاريخ عبدة الأصنام القدامى وعليه فان نسبة "التزيين" للأصنام تعود إِلى أن شدة تعلقهم بأصنامهم وحبهم لها كان يحدو بهم إِلى إِرتكاب هذه الجريمة النكراء، وإِستناداً إِلى هذا التّفسير، فإِنّ قتل الأولاد هذا لا علاقة له بوأد البنات أو قتل الأولاد خشية الإِملاق.
يحتمل أيضاً أن يكون المقصود بتزيين الأصنام هذه الجريمة، هو أن القائمين على أمر الأصنام والمعابد هم الذين كانوا يحرضونهم على هذا العمل ويزينونه لهم، باعتبارهم الألسنة الداعية باسم الأصنام، فقد جاء في التّأريخ أنّ العرب كانوا إِذا عزموا على السفر أو الأعمال المهمّة، طلبوا الإِذن من "هبل" كبير أصنامهم، وذلك بأن يضربوا بالقداح، أي بأسهم الميسر، فقد كان هناك كيس معلق بجانب هبل فيه سهام كتب على مقابضها "افعل" أو "لا تفعل"، فكانوا يخلطون السهام ثمّ يسحبون واحداً منها، فما كتب عليه يكون هو الأمر الصادر من هبل، وبهذه الطريقة كانوا يتصورون أنّهم يكتشفون آراء أصنامهم، فلا يستبعد أنّهم في مسألة قتل أولادهم قرابين للأصنام كانوا يلجأون إِلى أولياء المعابد ليأتوهم بما تأمر به الأصنام.
هنالك أيضاً الإِحتمال القائل بأن وأد البنات - الذي كان سائداً، كما يقول التّأريخ بين قبائل بني تميم لرفع العار - كان أمراً صادراً عن الأصنام، فقد جاء في التّأريخ أنّ "النعمان بن المنذر" هاجم بعض العرب وأسر نساءهم وفيهن ابنة "قيس بن عاصم" ثمّ أقرّ الصلح بينهم وعادت كل امرأة إِلى عشيرتها، عدا ابنة قيس التي فضلت البقاء عند العدو لعلها تتزوج أحد شبانهم، فكان وقع هذا شديداً على قيس، فاقسم بالأصنام انّه إِذا رزق بابنة أُخرى فانه سوف يئدها حية، ثمّ لم يمض زمن طويل حتى أصبح هذا العمل الشائن سنّة بينهم، وباسم الدفاع عن العرض راحوا يرتكبون أفظع جريمة بقتلهم أولادهم الأبرياء (1).
وعليه، فإِنّ وأد البنات يمكن أن يكون مشمولا بمفهوم هذه الآية.
هنالك أيضاً إِحتمال آخر في تفسير هذه الآية وان لم يتطرق إِليه المفسّرون، وهو أنّ عرب الجاهلية كانوا على درجة من التقدير والإِحترام لأصنامهم بحيث إِنّهم كانوا يصرفون أموالهم الثمينة على تلك الأصنام وعلى خدامها المتنفذين الأثرياء، ويبقون هم في فقر مدقع إِلى الحد الذي كان يحملهم هذا الفقر والجوع على قتل بناتهم.
فهذا التعلق الشديد بالأصنام كان يزين لهم عملهم الشنيع ذاك.
ولكن التّفسير الأوّل، أي التضحية بأولادهم قرباناً للأصنام، أقرب إِلى نص الآية.
ثمّ يوضح القرآن أنّ نتيجة تلك الأفعال القبيحة هي أنّ الأصنام وخدامها ألقوا بالمشركين في مهاوي الهلاك، وشككوهم في دين الله، وحرموهم من الوصول إِلى الدين الحق: (ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم).
ومع ذلك كله، فإِنّ الله قادر على أن يوقفهم عند حدهم بالإِكراه، ولكن الإِكراه خلاف سنة الله، إِنّ الله يريد أن يكون عباده أحراراً لكي يمهد أمامهم طريق التربية والتكامل، وليس في الإِكراه تربية ولا تكامل: (ولو شاء الله ما فعلوه).
ومادام هؤلاء منغمسين في أباطيلهم وخرافاتهم دون أن يدركوا شناعتها، بل الأدهى من ذلك أنّهم ينسبونها أحياناً إِلى الله، إِذن فاتركهم وإِتهاماتهم والتفت إِلى تربية القلوب المستعدة: (فذرهم وما يفترون).
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما زين لهم فعلهم ﴿زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ﴾ بالوأد ونحرهم للأصنام ﴿شُرَكَآؤُهُمْ﴾ من الشياطين أو السدنة وهو فاعل زين وقرىء بالبناء للمفعول ونصب أولادهم وجر شركائهم وفيه تعسف ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ ليهلكوهم ﴿وَلِيَلْبِسُواْ﴾ يخلطوا ﴿عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ أي ما كانوا عليه من دين إسماعيل واللام للعلة إن كان المزين الشيطان وللعاقبة إن كان السدنة ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ قسرهم ﴿مَا فَعَلُوهُ﴾ ما فعل المشركون أو الشركاء ذلك ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ وافتراءهم أو ما يفترونه.