التّفسير
تشير هذه الآيات إِلى بعض الأحكام الخرافية لعبدة الاوثان، والتي تدل على قصر نظرتهم وضيق تفكيرهم، وتكمل ما مر في الآيات السابقة.
تذكر في البداية أقوال المشركين بشأن من لهم الحق في نصيب الأصنام من زرع وأنعام، وتبيّن أنّهم كانوا يرون أنّها محرمة إِلاّ على طائفة معينة: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إِلاّ من نشاء بزعمهم).
ومرادهم المتولّون أُمور الأصنام والمعابد، والمشركون كانوا يذهبون إِلى أنّ لهؤلاء وحدهم الحق في نصيب الأصنام.
يتّضح من هذا أنّ القسم الأوّل من الآية يشير إِلى كيفية تصرفهم فيما يخصصونه للأصنام من الزرع والأنعام.
"الحجر" هو المنع، ولعلها مأخوذة كما يقول الراغب الأصفهاني في "المفردات" من الحجر، وهو أنّ يبنى حول المكان بالحجارة ليمنع عما وراءه، وحجر إِسماعيل سمي بذلك لأنّه مفصول عن سائر أقسام المسجد الحرام بجدار من حجر، وعلى هذا الاعتبار يطلق على "العقل" اسم "الحجر"، أحياناً، لكونه يمنع المرء من إِرتكاب الأعمال القبيحة، وإِذا ما وضع أحد تحت رعاية أحد وحمايته قيل: إِنّه في حجره، والمحجور هو الممنوع من التصرف في ماله (1).
ثمّ تشير الآية إِلى واحدة أُخرى من خرافاتهم تقضى بمنع ركوب بعض الدواب: (وأنعام حرمت ظهورها).
الظاهر أنّها هي الحيوانات التي مرّ ذكرها في تفسير الآية (103) من سورة المائدة، وهي "السائبة" و "البحيرة" و"الحام" (انظر التفسير المذكور لمزيد من التوضيح).
ثمّ تشير إلى القسم الثّالث من الأحكام الباطلة فتقول: (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها).
ولعلها إِشارة إِلى الحيوانات التي كانوا يذكرون أسماء أصنامهم عليها فقط عند ذبحها، أو هي المطايا التي كانوا يحرمون ركوبها للذهاب إِلى الحج، كما جاء ذلك في تفسير "مجمع البيان" و"التّفسير الكبير" و"المنار" و"القرطبي" نقلا عن بعض المفسّرين، وفي كلتا الحالتين كان الحكم خرافياً لا أساس له.
والأعجب من ذلك أنّهم لم يقنعوا بتلك الأحكام الفارغة، بل راحوا ينسبون إِلى الله كل ما يخطر لهم من كذب: (إِفتراء عليه).
وفي ختام الآية، وبعد ذكر تلك الأحكام المصطنعة، تقول إِنّ الله: (سيجزيهم بما كانوا يفترون).
نعم، إِذا أراد الإِنسان - بفكره الناقص القاصر - أن يضع القوانين والأحكام، فلا شك أنّ كل طائفة سوف تضع من القوانين ما ينسجم وأهواءهم ومطامعهم، فيحرمون على أنفسهم أنعم الله دون سبب، أو يحللون على أنفسهم أفعالهم القبيحة، وهذا هو سبب قولنا إِنّ الله وحده هو الذي يسنّ القوانين لأنّه يعلم كل شيء ويعرف دقائق الأُمور، وهو سبحانه بمعزل عن الأهواء.
﴿وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ حرام ﴿لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء﴾ من خدم الأصنام والرجال دون النساء ﴿بِزَعْمِهِمْ﴾ بلا حجة ﴿وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ فلا تركب كالبحائر والسوائب والحوامي ﴿وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا﴾ عند ذبحها ويذكرون اسم أصنامهم أولا يحجون عليها ﴿افْتِرَاء عَلَيْهِ﴾ حال أو مفعول له أو مصدر لأن قالوا بمعنى افتروا على الله بنسبة ذلك إليه ﴿سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ بسببه أو مقابله.