التّفسير
تعقيباً على الآيات السابقة التي تحدثت عن بعض الأحكام التافهة والتقاليد القبيحة في عصر الجاهلية الشائن، كقتل الأبناء قرباناً للأصنام، ووأد البنات خشية العار، وتحريم بعض نعم الله الحلال، تدين هذه الآية كل تلك الأعمال بشدة، في سبعة تعبيرات وفي جمل قصيرة نافذة توضح حالهم.
ففي البداية تقول: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم)، فعملهم وصف هنا بأنّه خسران بالمنظار الإِنساني والأخلاقي، وبالمنظار العاطفي والإِجتماعي، والخسارة الكبرى هي الخسارة المعنوية في العالم الآخر.
فهذه الآية تعتبر عملهم أوّلا "خسراناً" ثمّ "سفاهة" وخفة عقل، ثمّ "جهلا" وكل صفة من هذه الصفات الثلاث كافية لإِظهار قبح أعمالهم، فأي عقل يجيز للأب أن يقتل أولاده بيده؟ أو ليس هذا من السفاهة وخفة العقل أن يفعل هذا ثمّ لا يخجل من فعلته، بل يعتبرها نوعاً من الفخر والعبادة؟ أي علم يجيز للإِنسان أن يعتبر هذه الأعمال قانوناً إِجتماعياً؟
من هنا نفهم ما قاله ابن عباس بشأن ضرورة قراءة سورة الأنعام لمن شاء أن يدرك مدى تخلف الأقوام الجاهليين.
ثمّ يذكر القرآن أنّ هؤلاء قد حرموا على أنفسهم ما رزقهم الله وأحله لهم وكذبوا على الله ونسبوا هذه الحرمة له سبحانه: (وحرموا ما رزقهم الله إِفتراء على الله).
في هذه العبارة إِدانة أُخرى لأعمالهم، فهم - أوّلا - حرموا على أنفسهم النعمة التي "رزقهم" إِيّاها وأباحها لهم وكانت ضرورية لحياتهم، فنقضوا بذلك قانون الله.
وهم - ثانياً - "افتروا" على الله قائلين إِنّه هو الذي أمر بذلك.
في ختام الآية وفي جملتين قصيرتين إِدانة أُخرى لهم، فهم: (قد ضلّوا)، ثمّ إِنّهم لم يسلكوا يوماً الطريق المستقيم: (وما كانوا مهتدين).
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿أَوْلاَدَهُمْ﴾ وبناتهم مخافة السبي والفقر والعار ﴿سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ لخفة عقلهم وجهلهم ﴿وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ﴾ مما ذكر ﴿افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ إلى الحق.