لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير إِنّ التأكيدات المتتابعةُ المتوالية والاستدلالُ المتنوع في هذه السورة في صعيد التوحيد ومكافحة الشرك تنبىء عن أهمية كبرى للموضوع. وهذه الآية شجبت منطق المشركين من طريق آخر، حيث قال سبحانه لنبيّه: قل لهم واسألهم: هل من الصحيح أن أطلب ربّاً غير الله الواحد في حين أنّه هو المالك والمربّي، وهو رب كل شيء وبيده أزمة جميع الكائنات، وحكمه جار في جميع ذرّات الوجود بلا استثناء: (قُلْ أغيرَ الله أبغي وهو ربُّ كل شيء). ثمّ إِنّه يردّ على جماعة من المشركين المتحجرين ممن قالوا لرسول الله (ص) : اتَّبِعْنا وعَلينا وِزرَكَ إِن كان خطأً، قائلا: (ولا تكسب كلُ نفس إِلاّ عليها، ولا تزر وازرة وزر أُخرى) فلا يعمل أحد إِلاّ لنفسه، ولا يحمل أحد وزر أحد. (ثمّ إِلى ربّكم مرجعُكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلِفُون) فمآلكم إِليه وهو يخبركم عن جميع ما اختلفتم فيه. بحثان إِنّ ها هنا نقطتين يجب أن نقف عندهما ونلتفت إِليهما: 1 - ربّما حملنا وزر غيرنا قد يتوهمّ أنّ الآية الحاضرة التي تبيّن أصلين من الأُصول المنطقية المسلّمة لدى جميع الأديان والشرائع (أي مبدأ: لا يعمل أحد إِلاّ لنفسه، ولا يعاقب أحد بذنب غيره) تتنافى مع الآيات القرآنية الأُخرى، كما لا توافق جملة من الرّوايات في هذه المجال، لأنّ الله تعالى يقول في سورة النحل الآية 25: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلّونهم بغير علم). فإِذا لم يحمل أحدٌ وزر أحد فكيف يحمل هؤلاء المضلِّون وزر الضالّين أيضاً. كما أنّ الأحاديث المرتبطة بـ"السُنّة الحَسنة" و"السنّة السيئة" المروية بطرق الشيعة والسنّة. تتنافى مع مفهوم الآية الحاضرة كقول رسول الله (ص) : "من سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كان لَهُ أجر من عَمِلَ بَها من غير أن ينقصَ من أُجورهم شيء، ومن سَنَّ سَنّةً سيئة كان عليه وزرُ مَن عمل بها من غير أن ينقصَ من أوزارِهم شيءٌ". ولكن الإِجابة على هذا السؤال واضحة، فإِنّ الآية المبحوثة هنا تقول: إِنّه لا يحمل أحد وزر أحد من دون سبب، ولكنَ الآيات والرّوايات المشار إِليها سلفاً تقول: إِذا كان الإِنسان مؤسِّساً لعمل صالح أو سيءّ يعمل وفقه الآخرون، أي كان له "التسبيب" والدلالة في قيام الآخرين بعمل معيّن، وكانت له بالتالي دخالة في وقوعه، فإِنّه - ولا شك - يشترك معهم في نتائجه وعواقبه، لأنّه يعتبر - في الحقيقة - عمله وفعله، فلا مناص من أن يتحمل تبعاته إِنّ خيراً فخير، وإِن شراً فشرّ، لأنّه هو الذي وضع بيده أساسه الذي قام عليه صرح العمل، وارتفع بنيانه. 2 - هل أن أعمال الآخرين الصالحة تنفعنا؟ إِنّ التوَّهُم الآخر الذي يمكن أن يخالج الأذهان حول هذه الآية هو: أنّ الآية تقول: إِن عَمَلَ كل إِنسان لا ينفع إِلاّ نفسه، وعلى هذا فإِن الأعمال الصالحة التي تهدى إِلى الأموات، بل وحتى الأحياء أحياناً، لا يمكن أن تنفعهم، في حين نقرأ في روايات كثيرة مروية عن طريق الشيعة والسنة عن النّبي (ص) والأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) أن مثل هذه الأعمال قد تنفع الآخرين، وإِن هذا ينطبق على الجميع، فلا ينحصر بعمل الولد لوالديه، بل يشمل كل من يعمل عملا ويهدي ثوابه للآخرين. هنا مضافاً إِلى أنّنا نعلم أن الثواب يرتبط بتأثير العمل الصالح المأتي به على روح الإِنسان ودوره في تكامل الإِنسان ورقيّه، ولكنّ الذي لم يعمل عملا صالحاً قط، بل ولم يكن له أية دخالة في مقدماته كذلك، فكيف يمكن أن ينشأ منه أثر روحي ومعنوي؟؟ ولقد واصل البعض طرح هذا الإِشكال بصورة مسهبَة، ولم يكن الأفراد العاديون وحدهم هم الذين طرحوه، بل تأثر به بعض المفسّرين والكتاب، مثل كاتب "المنار" إِلى درجة أنّهم تناسوا كثيراً من الأحاديث والرّوايات المسلّمة، ولكن مع الإِلتفات إِلى نقطتين يتضِح الجواب على هذا الإِشكال. 1 - صحيح أن عمل كل إِنسان سبب لتكامله بالخصوص، وأنّ نتائج الأعمال الصالحة وآثارها الواقعية عائدة إِلى القائم بالعمل الصالح، تماماً كما تكون "الرّياضة"، و"التّعليم والتّربية" من كل أحد سبباً لتقوية جسم فاعلها وروحه ونفسه، وتكاملهما. ولكن عندما يَعمل أحدٌ عَمَلا صالحاً لشخص آخر، فإِنّه إِنّما يفعله حتماً لأجل أن ذلك الشخص يمتلك إِمتيازاً على غيره وصفةً حسنةً، أو لأنّه كان مربيّاً صالحاً، أو تلميذاً صالحاً، أو صديقاً طيباً أو جاراً وفياً له، أو كان عالماً خدوماً للمجتمع، أو مؤمناً مخلصاً، أو يمتلك أدنى حد من الصلاح في حياته، يوجب جلب أنظار الآخرين، ويسبب في أن يعملوا أعمالا صالحة ويهدونها إِليه. وعلى هذا فذلك العمل - في الحقيقة - إِنّما يكون نتيجة لذلك الإِمتياز، ونتيجة للصفة الحسنة المذكورة، وللنقطة المضيئة في شخصيته وحياته، ولهذا يكون قيام الآخرين بالأعمال الصالحة له إِنما هو أشعة من ضوء علمه الطيب أو نيتّه الصالحة، ونتيجة لتلك الخصلة الحسنة التي يتّصف بها. 2 - المثوبات التي يعطيها الله تعالى للإشخاص على نوعين: مثوبات تتناسب مع وضع تكاملهم الروحي وصلاحيتهم، يعني أن أرواحهم ونفوسهم قد تسمو بسبب قيامهم بالأعمال الصالحة سمواً كبيراً، وترتقي في سلّم الكمال رقياً عظيماً إِلى درجة يصلحون للعيش في عوالم أعلى وأفضل، ويرتفعون بما صنعوه على أجنحة العقيدة والعَمَل الصالح. ولكن حيث أنّ أيَّ عمل صالح هو إِطاعةٌ لأمر الله سبحانه، ويستحق المطيع لإِطاعته أجراً ومثوبة، فإِنّه يمكنه أن يهدي ذلك الثوابُ والأجر إِلى غيره بإِرادته ورغبته، تماماً، مثل أستاذ متخصّص في شعبة مهمّة من العلوم يدرّس في جامعة من الجامعات، فإِنّه لا ريب في أنّه يصل بتدريسه إِلى نتيجتين: فهو من جهة يصل - في ضوء تدريسه - إِلى درجات علمية أكمل وأقوى، وهو في نفس الوقت يحصل على أموال لقاء خدمته، ولا ريب في أنّه لا يستطيع أن يهدي النتيجة الأُولى لأحد لأنّها خاصّة به، ولكنّه يمكنه أن يقدم (أو يهدي) النتيجة الثانية إِلى من يرغب ويحب. إِنَّ إِهداء (ثواب) الأعمال الصالحة من جانب العاملين بها إِلى الأموات، بل وإِلى الأحياء أحياناً، إِنّما هو من هذا النمط ومن هذا القبيل. وبهذا يرتفع وينتفي أيُ إِبهام يحوم حول هذه الأحاديث. ولكن يجب أن نعلم بأنّ المثوبات التي تصل إِلى الآخرين عن هذا الطريق لا يمكن أن تضمن سعادتهم، بل تُصيبهم منها آثارٌ قليلة والأصل والأساس في نجاتهم إِنّما هو إِيمانهم وعملهم أنفسهم. ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾ أطلب غيره إلها ﴿وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فكل ما سواه مربوب لا يصلح للربوبية ﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا﴾ فلا تنفعني إن أشركت به إشراككم ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ لا تحمل نفس آثمة ﴿وِزْرَ﴾ نفس ﴿أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ بتميز الحق من الباطل.