التّفسير
العهود المحترمة:
نلحظ في هاتين الآيتين البيّنتين مزيد تأكيد على موضوع إلغاء المعاهدات التي كانت بين النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمشركين، حتى أنّ تاريخ الإِلغاء قد أُعلن في هذه الآية إذ نقول: (وأذان من الله ورسوله إِلى الناس يوم الحج الأكبر أنّ الله بريء من المشركين ورسولُه) (1).
وفي الحقيقة، أنّ الله سبحانه يريد في هذا الإِعلان العام في مكّة المكرمة، وفي ذلك اليوم العظيم، أن يوصد كل ذريعة يتذرع بها المشركون والأعداء، ويقطع ألسنة المفسدين، لئلا يقولوا: إنّهم أستغفلوا في الحملة أو الهجوم عليهم، وإن ذلك ليس من الشّهامة والرجولة.
كما أنّ التّعبير ب- "إلى الناس" مكان أن يقال "إِلى المشركين" يَدل على وجوب إبلاغ هذا "الأذان" والإِعلام لجميع الناس الحاضرين في مكّة ذلك اليوم، ليكون غير المشركين شاهداً على هذا الأمر أيضاً.
ثمّ يتوجه الخطاب في الآية إِلى المشركين أنفسهم ترغيباً وترهيباً، لعلهم يهتدون، إذ تقول الآية: (فإن تبتم فهو خير لكم).
أي أنّ الإِستجابة لرسالة التوحيد فيها صلاحكم وفيها خير لكم ولمجتمعكم ودنياكم وآخرتكم، فلو تدبّرتم بجد وصدق لرأيتم أن قبول الدعوة هو البلسم الشافي لكلّ جراحاتكم وليس في الأمر منفعة لله أو لرسوله.
ثمّ إنّ الآية تُحذر المخالفين المعاندين المتعصبين فتقول: (وإن توليتم فاعلموا أنّكم غير معجزي الله).
فلا يمكنكم الخروج من دائرة قدرته المطلقة بحال.
وأخيراً فإنّ الآية أنذرت المعاندين المتعصبين قائلة: (وبشّرِ الذين كفروا بعذاب أليم).
﴿وَأَذَانٌ﴾ إيذان إعلام ﴿مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ سمي الأكبر لأنها كانت سنة تحج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة ﴿أَنَّ﴾ بأن ﴿اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ عطف على المستكن في برىء وقرىء بالنصب عطفا على اسم أن أو بواو المعية ﴿فَإِن تُبْتُمْ﴾ من الشرك ﴿فَهُوَ﴾ فتوبتكم ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ عن الإيمان ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ﴾ غير فائتيه في الدنيا ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخرة.