وكما أشرنا من قبل فإنّ إلغاء هذه العهود من جانب واحد - ورفض عهد المشركين - يختص بأُولئك الذين دلّت القرائن على استعدادهم لنقض عهدهم وبدت بوادره، لذلك فإنّ الآية استثنت قسماً منهم لوفائهم بالعهد، فقالت (إلاّ الذين عاهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئاً ولم يُظاهروا عليكم أحَداً فأتموا إليهم عهدهم إِلى مدتهم إنّ الله يحبّ المتقين).
ملاحظات
1 - الحجُّ الأكبرُ!
اختلف المفسّرون في المراد من قوله تعالى: (يوم الحج الأكبر) والذي نستفيده من كثير من الرّوايات الواردة عن الفريقين، روايات أهل البيت (عليهم السلام) وأهل السنة، أنّه يوم العاشر من ذي الحجة "عيد الأضحى" وبتعبير آخر "يوم النحر".
وإنتهاء المدة باليوم العاشر من شهر ربيع الثّاني "للسنة العاشرة"، وفقاً لما جاء في المصادر الإِسلامية، دليل آخر على هذا الموضوع: أضف إِلى ذلك كله فإنّ يوم النحر في الواقع ينتهي فيه القسم الأساس من أعمال الحج، ومن هنا فيمكن أن يدعى ذلك اليوم بيوم الحج الأكبر (2).
وأمّا سبب تسميته بالحج الأكبر، فلأنّه اجتمع في ذلك العام جميع الطوائف من المسلمين وعبدة الأوثان والمشركين، كما اعتادوا عليه في موسم الحج إلاّ أنّ هذا الأمر لم يتحقق في السنين التالية "لمنع غير المسلمين من الحج".
وهناك تفسير آخر مضافاً إِلى التّفسير المذكور آنفاً وهو أن المراد منه مراسم الحج في قبال مراسم العمرة التي يعبر عنها بالحج الأصغر.
وهذا التّفسير جاء في بعض الرّوايات الإِسلامية، ولا يمنع أن تكون كلتا العلّتين مدعاةً لهذه التسمية (3).
2 - المواد الأربع التي أُعلنت ذلك اليوم
وإن كان القرآن الكريم أعلن براءة الله من المشركين بشكل مطلق، إلاّ أنّ الذي يستفاد من الرّوايات أنّ عليّاً (عليه السلام) قد أُمر بإبلاغ أربع مواد إِلى الناس، وهي:
1 - إلغاء عهد المشركين.
2 - لا يحق للمشركين أن يحجّوا في المواسم المقبلة.
3 - منع العراة والحفاة من الطواف الذي كان شائعاً ومألوفاً حتى ذلك الوقت.
4 - منع المشركين من دخول البيت الحرام.
وقد جاء في تفسير مجمع البيان عن الإِمام الباقر (عليه السلام) أنّ الإِمام علياً خطب في موسم الحج ذلك العام فقال: "لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن البيت مشرك، ومن كان له مدة فهو إلى مدته، ومن لم تكن له مدة فمدته أربعة أشهر".
وفي بعض الرويات إشارة إِلى المادة الرّابعة، وهي عدم دخول المشركين وعبدة الأصنام البيت الحرام (4).
3 - من هم الذين كانت لهم عهود "إلى مدّة"
يظهر من أقوال المؤرخين وبعض المفسّرين أنّ الذين كانت لعهدهم مدة، هم جماعة من بني كنانه وبني ضمرة، فقد بقي من عهدهم في ترك المنازعة تسعة أشهر، وقد بقي النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عهده وفيّاً، لأنّهم بقوا أوفياء لعهدهم ولم يظاهروا المشركين في مواجهة الإِسلام حيت إنتهت مدّتهم (5).
وقد عدّ بعضهم طائفة بني خزاعة من هؤلاء الذين كان لعهدهم مدّة. (6)
﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ استثناء من المشركين أو استدراك أي ولكن من عاهدتم منهم ﴿ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ من شروط العهد ﴿وَلَمْ يُظَاهِرُواْ﴾ يعاونوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ من عدوكم ﴿فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ إلى انقضاء مدتهم التي عاهدتم عليها ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ بإتمام العهد.