التّفسير
الشدّة المقرونة بالرّفق:
نقرأ في الآيتين أعلاه بيان وظيفة المسلمين بعد إنتهاء مدّة إمهال المشركين "الأشهر الأربعة" وقد أصدر القرآن أوامره الصارمة في هذا الصدد فقال: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (1).
ثمّ يقول: (وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (2).
ويلاحظ في هذه الآية أربعة أوامر صارمة صادرة في شأن المشركين "إيصاد الطرق بوجههم، محاصرتهم، أسرهم، ثمّ قتلهم".
وظاهر النص أنّ الأُمور الأربعة ليست على نحو التخيير، بل ينبغي ملاحظة الظروف والمحيط والزمان والمكان والأشخاص، والعمل بما يناسب هذه الأمور، فلو كان في الأسر والمحاصرة وإيصاد السبيل بوجه المشركين الكفاية فيها، وإلاّ فلا محيص عن قتالهم.
وهذه الشدّة متناغمة ومتوأئمّة مع منهج الإِسلام وخطته في إزالة الوثنية وقلعها من جذورها، وكما أشرنا إِلى ذلك سلفاً، فإنّ حرية الإِعتقاد "أي عدم إكراه أهل الأديان الأُخرى على قبول الإِسلام" تنحصر في أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ولا تشمل عبدة الأوثان، لأنّ الوثنية ليست عقيدة صحيحة، ولا ديناً كي تُلحظ بعين الإِحترام، بل هي تخلّف وخرافة وإنحراف وجهل، ولابدّ من استئصال جذورها بأي ثمن كان وكيف ما كان.
وهذه الشدّة والقوّة والصرامة لا تعني سدّ الطريق، - طريق الرجوع نحو التوبة - بوجههم، بل لهم أن يثوبوا إِلى رشدهم ويعودوا إِلى سبيل الحق، ولذلك فإنّ الآية عقبت بالقول: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلّوا سَبيلَهُم).
وفي هذه الحال، أي عند رجوعهم نحو الإِسلام، لن يكون هناك فرق بينهم وبين سائر المسلمين، وسيكونون سواءً وإياهم في الحقوق والأحكام.
(فإنّ الله غفور رحيم).
يتوب على عباده المنيبين إليه.
﴿فَإِذَا انسَلَخَ﴾ انقضى ﴿الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ التي هي مدة الأمان للناكثين ﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ﴾ الناكثين ﴿حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ في حل وحرم ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ وأسروهم ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ امنعوهم دخول مكة أو من الخروج إن تحصنوا ﴿وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ طريق يسلكونه ﴿فَإِن تَابُواْ﴾ من الشرك ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ﴾ أي التزموا فعلهما وقبلوه ﴿فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ﴾ دعوهم ولا تعرضوا لهم ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.