التّفسير
الزوجية في النباتات:
كان الكلام في الآيات المتقدمة عن إعراض الكفار عن الآيات التشريعية (أي القرآن المجيد) ، أمّا في الآيات محل البحث فالكلام عن الآيات التكوينية ودلائل الله في خلقِه وما أوجده سبحانه، فالكفار لم يَصمّوا آذانهم ويوصدوا أبواب قلوبهم بوجه أحاديث النّبي وكلماته فحسب، بل كانوا يحرمون أعينهم رؤية دلائل الحق المنتشرة حولهم.
فتقول الآية الأُولى من هذه الآيات: (أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم).(1)
والتعبير بـ "زوج" في شأن النباتات يستحق الدقّة... فبالرغم من أنّ أغلب المفسّرين قالوا بأن الزوج يعني النوع أو الصنف، وأن الأزواج معناها الأصناف والانواع، إلاّ أنّه ما يمنع أن نفسر معنى الزوج بما يتبادر إلى الذهن من المعنى المعروف وهو الإشارة إلى الزوجيّة في النباتات؟!
كان الناس فيما مضى يدركون أن بعض النباتات لها جنسان (ذكر وأُنثى) وكانوا يستعينون بتلقيح النباتات لتثمر ... وكانت هذه المسألة معروفة وواضحة تماماً في النخيل...
إلاّ أنّ العالم السويدي والخبير بعلم النبات "لينه" وُفّق لأول مرّة في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي لاكتشاف هذه الحقيقة، وهي أن الزوجية في عالم النباتات قانون عام تقريباً، والنباتات كسائر الحيوانات تحمل عن طريق تلقيح الذكر لأنثاه ثمّ تقذف بالثمار...
غير أنّ القرآن المجيد أشارَ إلى هذه الظاهرة "الزوجية في النبات" في آيات مختلفة مراراً قبل هذا العالم السويدي بقرون، كما هي الحال في الآيات محل البحث. وفي الآية الرّابعة من سورة الرعد، والآية العاشرة من سورة لقمان، والآية السابعة من سورة ق. وهذه الإشارة بنفسها إحدى معاجز القرآن العلمية!
وكلمة "كريم" في الأصل تعني كل شيء قيّم وثمين، فقد تستعمل في الإنسان، وقد تستعمل في النبات، وقد تستعمل في الكتاب أي الرسالة المعهودة بين المتراسلين أيضاً... كما هي الحال في شأن حديث ملكة سبأ عن كتاب سليمان إليها إذا قالت: (إنّي أُلقي إليّ كتاب كريم).(2)
والمراد من (كم أنبتنا فيها من كلّ زوج كريم) هو النباتات المهمّة ذوات الفائدة، وطبعاً ما من نبات إلاّ وله فائدة أو فوائد جمّة، ومع تقدم العلم تتجلى هذه الحقيقة يوماً بعد يوم.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ ينظروا ﴿إِلَى الْأَرْضِ﴾ وعجائبها ﴿كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ﴾ صنف ﴿كَرِيمٍ﴾ محمود ذي فوائد وكل لإحاطة الأزواج وكم لكثرتها.