وفي الآية التالية يُثار هذا الموضوع بمزيد الصراحة والتأكيد، ويُستفهم عنه استفهاماً إنكارياً أيضاً، إذ تقول الآية: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًَّ ولا ذمّة).
وكلمة "الإلُّ" معناها القرابة، وقال بعضهم: إنّها تعني هنا العهد والميثاق.
فعلى المعنى الأوّل أي "القرابة" يكون المراد من ظاهر الآية أنّه بالرغم من أنّ قريشاً تربطها برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض المسلمين علاقة قربى، إلاّ أنّها لا ترقب هذه القرابة أو الرحم ولا ترعى حُرمتها، فكيف إذن تتوقع من النّبي والمسلمين احترامَ علاقتهم بها.
وعلى المعنى الثّاني تكون كلمة "إلّ" مؤكَّدةً بكلمة (ذمّة) وتعني العهد والميثاق أيضاً، قال الراغب في المفردات: إن "الإل" كل حالة ظاهرة من عهد حلف وقرابة تئل (أي تلمع) فلا يمكن إنكاره (1).
وتضيف الآيه معقبة بأن هؤلاء يريدون أن يخدعوكم بألفاظهم المزوّقة فقالت: (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم).
لأن قلوبهم مليئة بالحقد والقسوة وطلب الإِنتقام وعدم الإِعتناء بالعهد وعلاقة القربى، وإن أظهروا المحبّة بألسنتهم.
وفي نهاية الآية إشارة إِلى جذر هذا الموضوع وأساسه وهو فسقهم، فتقول: (وأكثرهم فاسقون).
﴿كَيْفَ﴾ يكون لهم عهد وحذف للعلم به كرر إنكار وفائهم بالعهد أو بقاء حكمه مع ما بينهم العلة ﴿وَإِن يَظْهَرُوا﴾ بكم يظفروا ﴿عَلَيْكُمْ﴾ والواو للحال ﴿لاَ يَرْقُبُواْ﴾ لا يرعوا ﴿فِيكُمْ إِلاًّ﴾ قرابة أو حلفا ﴿وَلاَ ذِمَّةً﴾ عهدا أي لا يبقون عليكم بجهدهم ﴿يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ يظهرون لكم الموالاة بكلامهم ﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ إلا العداوة والغدر ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ متمردون لا وفاء لهم.