التّفسير
كلّ شيء فَداءٌ للهدف:
إنّ آخر وسوسة أو ذريعة يمكن أن يتذرع بها جماعة من المسلمين للامتناع عن جهاد المشركين (وفعلا فقد تذرع بعضهم وفقاً لما ورد في قسم من التفاسير) بأن من بين المشركين وعبدة الأوثان أقارب لهم، فقد يُسلم الأب ويبقى ولده في الشرك على حاله، وقد يقع العكس إذ يخطو الابن نحو توحيد الله ويبقى أبوه مشركاً، وهذه الحالة ربّما كانت موجودة بين الأخ وأحيه، والزوج
وزوجه، والفرد وعشيرته أو قبيلته، وهكذا.
فإذا كان القرار أن يجاهد الجميع المشركين فلابدّ أن يغمضوا أعينهم عن أرحامهم وأقاربهم وعشيرتهم الخ.
هذا كلّه من جهة.
ثمّ ومن جهة أُخرى كانت رؤوس الأموال والقدرة التجارية بيد المشركين تقريباً، ولهذا يسبب تردد المشركين إِلى مكّة ازدهار التجارة.
ومن جهة ثالثة كان للمسلمين في مكّة بيوت عامرّة نسبياً، فإذا قاتلوا المشركين فمن المحتمل أن يهدمها المشركون، أو تفقد قيمتها إذا عطل المشركون مراسم الحاج ومناسكه بمكّة.
فالآيتان - محل البحث - ناظرتان إِلى مثل هؤلاء الأشخاص، وتردّان عليهم ببيان صريح، فتقول الآية الأُولى منهما: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الإِيمان).
ثمّ تعقب - على وجه التأكيد - مضيفةً: (ومن يتولهم منكم فأُولئك هم الظالمون).
وأي ظلم أسوأ من أن يظلم الإِنسان نفسه بتعلقه بأعداء الحق والمشركين، ويظلم مجتمعه، ويظلم نبيّه أيضاً؟!
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء﴾ يصدونكم عن الدين قيل لما أمر الناس بالهجرة فمنهم من تعلق به أبواه وأهله وولده فترك الهجرة لأجلهم فنزلت ﴿إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ﴾ اختاروه ﴿عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بوضع التولي في غير محله.