يثم يضيف القرآن قائ: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدُوْا وَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق﴾.
ولو تخلى هؤلاء عن عنصريتهم وذاتياتهم، وآمنوا بجميع أنبياء الله فقد اهتدوا أيضاً، وإلاّ فقد ضلوا سواء السبيل.
و«الشّقاق» النزاع والحرب، وفسرت في الآية بالكفر وبالضلال، وبالإِبتعاد عن الحق والإِتجاه نحو الباطل، وكل هذه المعاني تعود إلى حقيقة واحدة.
ذكر بعض المفسرين أن الآية السابقة التي ساوت بين عيسى وسائر الأنبياء.
أثارت اعتراض جمع من النصارى وقالوا: إن عيسى ليس كسائر الأنبياء، بل هو ابن الله، فنزلت هذه الآية لتؤكد على انحراف هؤلاء وأنهم في شقاق.
ثم تثبت الآية على قلوب المؤمنين وتبعث فيهم الثقة والطمأنينة بالقول: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم (الْعَلِيمُ﴾ بمؤامراتهم.
بحوث
1 - وحدة دعوة الأنبياء:
في مواضع عديدة أكد القرآن على أن هدف الأنبياء واحد، ولا انفصال في خط النبوات، فكل الأنبياء(عليهم السلام)يصدرون عن منبع الوحي الإِلهي، ولذلك يوصي القرآن باحترام جميع الأنبياء، لكن هذا لا يمنع - كما قلنا - أن تنسخ كلُّ رسالة جديدة تنزل من الله سبحانه الرسالات السابقة، والإِسلام خاتم الرسالات السماوية.
أنبياء الله كالمعلمين، ربّى كل منهم البشرية في فصل دراسي، وبعد انتهاء المرحلة الدراسية الخاصة به يسلم المجتمع البشري إلى معلم آخر ليجتاز الأفراد مرحلة دراسية أعلى.
ومن هنا فالمجتمع البشري مكلّف بتحمل مسؤوليات ما يأتي به آخر نبي، وهذا لا يتعارض مع كون سائر الأنبياء على حق.
2 - من هم الأسباط؟
الأسباط جمع سبط، والأسباط أحفاد يعقوب، وهم اثنا عشر سبطاً من اثني عشر ابناً، أو أنهم قبائل من بني إسرائيل، والسِّبط في اللغة: الجماعة يرجعون إلى أب واحد، والسَبَط (على وزن درج) قد يأتي بمعنى: الشجر، والأسباط الذين هم من شجرة واحدة، ويقال: سبط عليه العطاء، إذا تابع عليه حتى يصل بعضه ببعض.
المقصود من الأسباط - إذن - ليس أبناء يعقوب، فهؤلاء ارتكبوا جميعاً ذنباً بحق أخيهم ولا يصلحون للنبوّة، بل المقصود قبائل بني إسرائيل، أو أحفاد يعقوب ممن كان لهم أنبياء.
ولما كان بين هؤلاء الأسباط أنبياء، فالآية عدتهم بين أولئك الذين نزلت عليهم آيات الله.
3 – الحنيف:
الحنيف، من مادة حَنَفَ: أي مال عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، وبه سميت الحنيفية، لأنها مالت عن اليهودية والنصرانية.
وعكس ذلك «جَنَفَ» أي مال عن الطريق المستقيم إلى الإِنحراف.
ولهذا السبب كان أحد معاني الحنيف هو المستقيم والذي لا عوج فيه.
وللمفسرين آراء في الحنيفية، منها حج بيت الله، وأتباع الحق، وأتباع إبراهيم، والإِخلاص في العمل، وكلها ترجع إلى معنى عام وشامل، ما ذكره المفسرون مصاديق لذلك.
﴿فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ﴾ دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها ﴿فقد اهتدوا وإن تولوا﴾ أعرضوا عن الإيمان ﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ مخالفة للحق فهم في شق غير شقه ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ﴾ وعد له تعالى النصر عليهم ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لدعائك ﴿الْعَلِيمُ﴾ بنيتك وهو مستجيب لك فهو من تمام الوعد أو وعيد للمعرضين أي يسمع أقوالهم ويعلم أعمالهم فيجازيهم عليها.