التّخلّي عن غير صبغة الله:
بعد الدّعوة التي وجهتها الآيات السابقة لإِتّباع الأديان بشأن إنتهاج طريق جميع الأنبياء، أول آية في بحثنا تأمرهم جميعاً بترك كل صبغة، أي دين، غير «صبغة الله».
ثم تضيف الآية: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾؟! أي لا أحسن من الله صبغة، ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ في اتباع ملّة إبراهيم التي هي صبغة الله، وقيل المعنى: من نحن له عابدون يجب أن تتبع صبغته، لا ما صَبَغَنا عليه الآباء والأجداد.
وبهذا أمر القرآن بالتخلي عن الصبغات العنصرية والطائفية والذاتية وعن كل الصّبغات المفرّقة، والإِتّجاه نحو صبغة الله.
ذكر المفسرون أن النصارى دأبوا على غسل أبنائهم بعد ولادتهم في ماء أصفر اللون، ويسمونه غسل التعميد، ويجعلون ذلك تطهيراً للمولود من الذنب الذاتي الموروث من آدم!
القرآن يرفض هذا المنطق الخاوي، ويقول: من الأفضل أن تتركوا هذه الصبغات الظاهرية الخرافية المفرقة، وتصطبغوا بصبغة الله، لتطهر روحكم.
ما أجمل تعبير «الصبغة» في هذه الآية! وما أروع هذه الدعوة إلى الإِصطباغ بصبغة الله!
لو حدث ذلك... لو اختارت البشرية صبغة الله... أي صبغة الطهر والتقوى والعدالة والمساواة والأُخوّة... صبغة التوحيد والإِخلاص... لاستطاعت أن تستأصل جذور الشرك والنفاق والتفرقة... إنّها في الحقيقة الصبغة التي لا لون بها وتطهر الانسان من جميع الالوان.
وعن الإِمام الصادق (عليه السلام) : أن «صِبْغَةَ اللهِ» هِيَ الاِْسْلاَمُ، وهذا إشارة إلى ما ذكرناه.
كان اليهود وغيرهم يحاجّون المسلمين بصور شتّى، كانوا يقولون: إنّ جميع الأنبياء مبعوثون منا، وإن ديننا أقدم الأديان، وكتابنا أعرق الكتب السماوية.
وكانوا يقولون: إن عنصرنا أسمى من عنصر العرب، ونحن المؤهلون لحمل الرسالة لا غيرنا، لأن العرب أهل أوثان.
وكانوا يدّعون أحياناً أنهم أبناء الله وأن الجنّة لهم لا لغيرهم.
﴿صِبْغَةَ اللّهِ﴾ مصدر مؤكد لآمنا أي صبغنا الله صبغة وهي الفطرة التي فطر الناس عليها أو هدانا دينه أو طهرنا بالإيمان تطهيرا سماه صبغة للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية يجعلون ذلك تطهيرا لهم ومحققا لنصرانيتهم ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً﴾ لا صبغة أحسن من صبغته ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ﴾ عطف على آمنا.