لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
المستقبل للإسلام: الآية الأخيرة من الآيات - محل البحث - في نهاية المطاف تزف البُشرى للمسلمين باستيعاب الإِسلام العالم بأسره، وتكمل ما أشارت إِليه - آنفاً - أن أعداء الإِسلام لن يفلحوا في محاولاتهم ومناوآتهم بوجه الإسلام أبداً، وتقول بصراحة: (هو الذي أرسَل رسولَه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون). والمقصود من الهدى هو الدلائل الواضحة، والبراهين اللائحة الجليّة التي وُجِدَتْ في الدين الإسلامي. وأمّا المراد من دين الحق، فهو هذا الدين الذي أُصوله حقّة وفروعه حقّة أيضاً، وكل ما فيه من تاريخ وبراهين ونتائج حق، ولا شك أن الدين الذي محتواه حق، ودلائله وبراهينه حقّة، وتأريخه حق جلي، لابدّ أن يظهر على جميع الأديان. وبمرور الزمان وتقدم العلم وسهولة الإِرتباطات، فإن الواقع سيكشف وجهه ويطلعه من وراء سُدُلِ الإِعلام المضللة، وستزول كل العقبات والموانع والسدود التي وضعت في طريق انتشار الإسلام. وهكذا فإنّ دين الحق سيستوعب كل مكان، ولا يحول بينه وبين تقدمه شيء أبداً، لأنّ الحركات المضادة للإِسلام حركات مخالفة لسير التأريخ وسنن الخلق. بحوث 1 - المراد "الهدى ودين الحقّ" هذا التعبير الوارد في الآية محل البحث: (أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) بمثابة الدليل على انتصار الإِسلام وظهوره على جميع الأديان، لأنّه لمّا كان محتوى دعوة النّبي الهداية، والعقل يدل على ذلك في كل موطن، ولما كانت أُصوله وفروعه موافقة للحق، ومع الحق، وتسير في مسيرالحق، ولأجل الحق. فهذا الدين سينتصر على جميع الأديان طبعاً. وقد جاء عن أحد علماء الهند أنّه سبر فكره في مطالعة مختلف الأديان فترة من الزمن، وانتهى أمره إِلى اختيار الدين الإِسلامي من بين جميع أديان العالم، ثمّ نشر كتاباً بالإِنجليزية اسمه "لِمَ أسلمتُ؟ " وبيّن فيه مزايا الدين الإِسلامي على غيره من الأديان. ومن أهم المسائل التي أثارت انتباهه - كما يقول - أنّ الإِسلام هو الدين الوحيد الذي له تأريخ ثابت محفوظ ويتعجّبُ كيف اختارت أوربا لها ديناً ترى إنَّ من جاء به أجَلّ من الإِنسان وتعدّه ربّها، مع أن هذا الدين ليس له تاريخ دقيق. (6) إنّ مطالعة آراء الذين اعتنقوا الإِسلام ديناً جديداً وعزفوا عن دينهم السابق، تكشف أنّهم كانوا في منتهى البساطة والغفلة والتضليل، بينما دلتّهم أُصول الإِسلام وفروعه ذات الأدلّة المحكمة إِلى الدين الإلهي البعيد عن الخرافات كلّها، والذي يتجلى فيه نور الحق والهداية. 2 - انتصار المنطق أم انتصر القوّة؟ هناك كلام بين المفسّرين في كيفية ظهور الدين الإِسلامي على سائر الأديان، وهذا الظهور أو الإِنتصار في أيّ شكل هو؟ قال بعض المفسّرين: هذا الإِنتصار انتصار منطقي استدلالي فحسب، ويقولون بأن هذا الموضوع حاصل فعلا، لأنّ الإِسلام من حيث منطقهُ ودلائله لا يقاس به دين آخر. غير أنّ التحقيق في موارد استعمال مادة "الإظهار" في قوله تعالى: (ليُظهره على الدين كله) يكشف أنّ هذه المادة غالباً ما تستعمل في القدرة الظاهرية والغلبة المادية، كما جاء في قصّة أصحاب الكهف: (إنّهم إن يظهروا عليكم يرجموكم) (7) وكما نقرأ في شأن المشركين (كيف وإِن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّة) (8). فمن البديهي أنّ الغلبة في مثل هذه الموارد ليست غلبة منطقية، بل هي غلبة عينية وفعلية، وعلى كل حال فمن الأفضل والأكثر صحة أن نعتقد بأنّ هذا الظهور والغلب ظهور مطلق - من جميع الجوانب - لأنّه ينسجم ومفهوم الآية التي هي مطلقة من جميع الجهات أيضاً، فيكون المعنى أنّه سيأتي يوم ينتصر فيه الإِسلام انتصاراً منطقياً وانتصاراً ظاهرياً، في امتداد سيطرته ونفوذه المطلق، وحكومته العامّة على جميع الأديان، وسيجعل جميع الأديان تحت شعاعه. 3 - القرآن وظهور المهدي إنّ الآية - محل البحث - عينها وبالالفاظ ذاتها، وردت في سورة الصف، كما وردت في أُخريات سورة الفتح باختلاف يسير. والآية تخبر عن حدث مُهِمّ كبير استدعت أهميته هذه أن تتكرر الآية في القرآن، وهذا الحدث الذي أخبرت عنه الآية هو استيعابُ الإِسلام للعالم بأسرهِ. وبالرغم من أن بعض المفسّرين فسر الإِنتصار - في الآية محل البحث - انتصاراً في منطقة معينة ومحدودة، وقد حدث ذلك فعلا في عصر النّبي (ص) أو ما بعده من العصور للإِسلام والمسلمين، إلاّ أنّه مع ملاحظة أن الآية مطلقة لا قيد فيها لا شرط، فلا دليل على تحديد المعنى، فمفهوم الآية انتصار الإِسلام كليّاً - ومن جميع الجهات - على جميع الأديان، ومعنى هذا الكلام أنّ الإِسلام سيُهيمن على الكرة الأرضية عامّة، وسينتصر على جميع العالم. ولا شك أن هذا الأمر لم يتحقّق في الوقت الحاضر، لكنّنا ندري أن هذا وعد من قبل الله حتمي وأنّه سيتحقق تدريجاً، فسرعة انتشار الإِسلام وتقدمه في العالم، والاعتراف الرسمي به من قبل الدول الأوروبية المختلفة ونفوذه السريع في أفريقياو أمريكا، وإعلان كثير من العلماء والمفكرين اعتناقهم الإِسلام، كل ذلك يشير إِلى أنّ الإِسلام أخذ باستيعاب العالم. إلاّ أنّه طبقاً للرّوايات المختلفة الواردة في المصادر الإِسلامية، فإنّ هذا الموضوع إِنّما يتحقق عند ظهور المهدي (ع) فيجعل الإِسلام عالمياً. ينقل العلامة الشيخ الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) الآية محل البحث عن الإِمام الباقر (ع) أنّه قال: "إِنّ ذلك يكون عند خروج المهدي، فلا يبقى أحدٌ إلاّ أقرّ بمحمّد (ص) ". كما ورد في التّفسير ذاته عن النّبىّ (ص) أنّه قال: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا بر إلاّ أدخله الله كلمة الإِسلام". كما أن الشيخ الصدوق رضوان الله عليه روى عن الإِمام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية - في كتابه إِكمال الدين - أنّه قال: "والله ما نزل تأويلها بعدُ،ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم، فإِذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم". (9) وهناك أحاديث أُخرى بهذا المضمون وردت عن أئمة المسلمين عليهم السلام. كما أنّ جماعةً من المفسّرين ذكروا هذا التّفسير في ذيل الآية أيضاً. إِلاّ أنّ المدهش أن كاتب "المنار" هنا لم يكتف برفض هذا التّفسير المذكور آنفاً، بل ناقش الأحاديث في المهدي (ع) ، وحاول أن ينكر بتعصبه الخاص جميع الأحاديث الواردة في شأنه، ولم يألُ جهداً في التذرع بما لديه من الحجج الواهية ليقول: إِنّ هذه الأحاديث لا يمكن قبولها بحال، ويزعم أنّ الإِعتقاد بوجود المهدي من أفكار الشيعة، ومعتقداتهم، أو معتقدات من يميل إِلى التشيّع. ثمّ بعد هذا كلّه يرى صاحب "المنار" أنّ الإِعتقاد بوجود المهدي مدعاة للتخلف والرّكود! ومن هنا نرى أنّه لابدّ أن نعالج - ولو باقتضاب - الرّوايات الواردة في شأن المهدي "عجّل الله فرجه الشّريف" وآثار هذا الإِعتقاد في تقدم المجتمع الإِسلامي، ومواجهة الظلم والفساد، ليُعلم أن التعصب اذا دخل من باب خرج العلم والمعرفة من باب آخر. ومع أنّ صاحب المنار له باع طويلة في العلوم والمعارف الإِسلامية، إلاّ أنّه لنقطة الضعف التي ابتلي بها "التعصب الشديد" يقلب بعض الحقائق الجليّة وينكرها تماماً. الرّوايات الإِسلامية في المهدي "عجّل الله فرجه الشّريف" بالرّغم من كثرة الكتب المؤلة من قبل علماء أهل السنة وعلماء الشيعة، في شأن الأحاديث الواردة في المهدي (ع) ونهضته الإِصلاحية، إلاّ أنّنا نعتقد أنّ كل ذلك ليس بأبلغ ولا أوجز في الوقت ذاته ممّا كتبه علماء الحجاز من رسائل ردّاً على السائلين في هذا المجال، لذلك نرى من المناسب أن ننقل مضامين تلك الإِجابات ومؤداها للقراء الكرام. لكنّنا نذكر قبلا، أنّ الرّوايات الواردة في المهدي "عجل الله فرجه الشريف" من الكثرة بحيث لا يستطيع أي محقق اسلامي - من أي مذهب كان - أن ينكر تواترها. وقد كُتبت حتى الآن كُتب كثيرة في هذا الصدد، وقد اتفق مؤلّفوها على صحة الأخبار الواردة في المصلح المهدي "عجّل الله فرجه الشّريف"، إلاّ أنّ أفراداً معدودين - كأحمد أمين المصري وابن خلدون - ومن تبعهما، يشككون في صدور هذه الأحاديث عن نبيّ الإسلام (ص) والقرائن المتوفرة في أيدينا تدل على أن الباعث على ترددهم لم يكن لضعف في الأخبار، بل كانوا يرون أن الرّوايات الواردة في المهدي (ع) مشتملة على مسائل لا تكاد تصدّقُ بسهولة أو أنّهم لم يستطيعوا أن يميّزوا الاحاديث الصحيحة عن غيرها. او لم يجدوا تفسيراً لها. وعلى كل حال يلزمُنا قبلَ كلّ شيء أن نضع بين يدي القراء الكرام نص السّؤال والجواب الذي نشرته رابطة العالم الإسلامي والتي يقوم عليها أشدّ المتزمتين إفراطاً - في المذاهب الإِسلامية - أي الوهابيين، ليتّضح أنّ مسألة ظهور المهدي "عجّل الله فرجه الشّريف" بين المسلمين تعتقد بها الأغلبية الساحقة منهم، ونعتقد أن هذه الرسالة على وجازتها جمعت في طيّها الدلائل على ذلك بما ليس لكل أحد أن يتوفر له هذا الجمع، وإِذا كان الوهابيون المتعصبون قد أذعنوا لهذا الامر، فللسبب ذاته المشار إليه آنفاً في الرسالة. فقبل بضعة أعوام وجّه شخص من كينيا - يدعى أبا محمّد - سؤالا إِلى رابطة العالم الإِسلامي في شأن المهدي المنتظر "عجّل الله فرجه الشّريف". فأجابه مدير الرّابطة، محمّد صالح القزاز، بردٍّ يتضمّن تصريحاً بأنّ ابن تيميّة يؤمن بالاحاديث الواردة في شأن المهديّ أيضاً، وقد كتب هذه الرسالة خمسة علماء معروفين من أهل الحجاز جواباً على سؤال أبي محمّد الكيني. وقد ورد في هذه الرسالة بعد ذكر اسم المهدي (ع) ومحل ظهوره "مكّة" مايلي: "عند ظهوره يكون العالم مليئاً بالفساد والكفر والجور، فيملأ الله به "المهدي" العالم عدلا كما ملىء ظلماً وجوراً، وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عندهم النّبي (ص) في كتب الصحاح. والأحاديث المتعلقة بالمهديّ نقلها عدّة من أصحاب النّبي (ص) منهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيدالله، عبدالرحمن بن عوف، قرة بن أساس المزني، عبدالله بن الحارث، أبو هريرة، حذيفة بن اليمان، جابر بن عبدالله، أبو أمامة، جابر بن ماجد، عبدالله بن عمر، أنس بن مالك، عمران بن الحصين، وأُم سلمة. فهؤلاء عشرون راوياً صحابياً رووا عن النّبي في المهدي "عجّل الله فرجه الشّريف" وغيرهم كثير أيضاً، وهناك أحاديث كثيرة عن الصحابة أنفسهم ورد فيها الكلام عن ظهور المهدي "عجّل الله فرجه الشّريف" ويمكن أن تضاف هذه الرّوايات إِلى الرّوايات الواردة عن النّبي (ص) ، لأنّ ذلك "أي الكلام في المهدي" لم يكن مسألة اجتهادية ليمكن الإِجتهاد فيها، فبناءً على ذلك فإنّ الصحابة قد سمعوا هذا الموضوع من النّبي (ص). ثمّ تضيف الرسالة: إن الأحاديث آنفة الذكر المرويّة عن النّبي (ص) مذكورة في كتب الحديث والكتب الإسلامية الأُخرى سواء منها السنن أو المعاجم أو المسانيد، وكذلك شهادات الصحابة وأقوالهم التي هي بمثابة الحديث أيضاً، ومن الكتب التي وردت فيها الأحاديث في المهدي أو أقوال الصحابة هي: سنن أبي داود، وسنن الترمذي، وابن ماجه، وابن عمرو الداني، ومسند أحمد، وابويعلى، والبزاز، وصحيح الحاكم، ومعجما الطبراني "الكبير والمتوسط" والرواياني، والدارقطني، وأبو نعيم في أخبار المهدي، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تأريخ دمشق، وغيرها. وتضيف الرسالة: إنّ بعض العلماء المسلمين كتبوا في هذا الشأن كتباً خاصّة، منهم: أبو نعيم في أخبار المهدي، وابن حجر الهيثمي في "القول المختصر في علامات المهدي المنتظر"، والشوكاني، في "التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح" وإِدريس العراقي المغربي في كتاب المهدي، وأبوالعباس بن عبدالمؤمن المغربي في كتاب "الوهم المكنون في الردّ على ابن خلدون". وآخر من كتب في هذا الشأن بحثاً مطوّلا، وهو مدير الجامعة الإِسلامية في المدينة المنورة "في حلقات متعدّدة في مجلة الجامعة المذكورة". ثمّ تضيف الرسالة أيضاً، إن جماعة من علماء الإِسلام قديماً وحديثاً صرّحوا في كتبهم أن الأحاديث الواردة في المهدي تقرب من التواتر ولا يمكن إِنكارها بأيّ وجه، ومنهم. السخاوي في "فتح المغيثِ" ومحمّد بن الحسن السفاويني في "شرح العقيدة" وأبوالحسن الأبري في "مناقب الشافعي" وابن تيمية في "فتاواه" والسيوطي في "الحاوي" وإِدريس العراقي في كتابه "المهدي" والشوكانيفي كتاب "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر" ومحمّد جعفر الكناني في "نظم التناثر" وأبوالعباس بن عبدالمؤمن في "الوهم المكنون...". وتختم الرسالة بالقول بأن ابن خلدون وحده أنكر الأحاديث في المهدي، وعدّها واهية لا أساس لها، وأنّها عارية من الصحة، إِذ قال: لا مهديّ إلاّ عيسى، إلاّ أنّ علماء الإِسلام ورجاله ردّوا على مقالته، وخاصّة أبوالعباس بن عبدالمؤمن في كتابه "الوهم المكنون في الردّ على ابن خلدون" الذي خصّص في كتابه بحثاً مسهباً في هذا الشأن، وقد نشر الكتاب منذ أكثر من ثلاثين سنة. ويقول حفاظ الأحاديث والعلماء الكبار بصراحة، إِن الأحاديث في المهدي تشتمل على الصحيح والحسن، ومجموعها متواتر، فبناءً على ذلك فالإِعتقاد بظهور المهدي واجب على كل مسلم، ويُعدّ هذا من عقائد أهل السنة والجماعة ولاينكرها إلاّ الجهلة أو المبتدعون... الخ. / مدير إدارة مجمع الفقه الإِسلامي / محمّد المنتصر الكنائي. الانتظار وآثاره البنّاءَة: كان الكلام في البحث السابق أن هذا الإِعتقاد لم يكن ممّا طراً على التعاليم الإِسلامية، بل هو من أكثر المباحث القطعية المأخوذة عن مؤسس دعائم الإِسلام صلوات الله عليه، ويتفق على ذلك عموم الفرق الإِسلامية، والأحاديث في هذا الشأن متواترة أيضاً. والآن لنقف على آثار الإِنتظار في المجتمعات الإِسلامية وما هي عليه من أحوال، لنرى هل أن الإِيمان بظهور الإمام المهدي (ع) يجعل الانسان عارفاً في الوهم والخيال ثمّ ليستسلم لجميع الظروف، أو هو نوع من الدّعوة إِلى النهوض وبناء الإِنسان والمجتمع؟! هل يدعو إِلى التحرك، أم إِلى الركود؟ هل يبعث في الانسان روح المسؤولية، أم هو مدعاة للفرار منها؟ وأخيراً: أهو مخدّر، أم موقظ؟ إِلاّ أنّه قبل أن نوضح الإِجابة على هذه الأسئلة - لابدّ من الإِلتفات إِلى هذه الملاحظة وهي أن أسمى المفاهيم وأكرم الدساتير متى ما وقعت في أيدي أناس جهلة أو غير جديرين بها، فمن الممكن أن تُمسخ بسوء استفادتهم فتكون النتيجة خلافاً للهدف الأصلي تماماً وتتعاكس في المسار، ومثل هذا واقع بكثرة، وسنرى أن مسألة انتظار المهدي (ع) من هذه المسائل أيضاً. ومن أجل تحاشي والأخطاء والإِشتباهات في مثل هذه المباحث، ينبغي - كما قيل - أن ننهل الماء من معينه العذب، لئلانجد فيه كدر الأنهار أو السواقي المشوبة. أي علينا أن نراجع النصوص الإِسلامية الأصيلة مباشرة وأن نفهم الإِنتظار من لسان رواياتها المختلفه، حتى نطّلع على الهدف الأصليّ منها! الرّوايات الشّريفة: 1 - سأل بعضهم الإِمام الصّادق (ع): ما تقول في رجل موال للأئمّة (ع) وينتظر ظهور حكومة الحق، ثمّ يموت وهو على هذه الحال؟! فقال الإِمام الصادق (ع): هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه. ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: هو كمن كان مع رسول الله (ص) (10). وهذا المضمون نفسه ورد في روايات متعددة بتعابير مختلفة: 2 - إِذ جاء في بعضها: بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله. 3 - وفي بعضها: كمن قارع مع رسول الله بسيفه. 4 - وفي بعضها: بمنزلة من كان قاعداً تحت لواء القائم. 5 - وفي بعضها: بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله. 6 - وفي بعضها: بمنزلة من اسُتشهد مع رسول الله. فهذه التشبيهات السبعة في الرّوايات الست المذكورة، آنفاً في شأن المهدي (ع) ، تبيّن هذه الواقعية وهي أنّ هناك علاقه وارتباط بين مسألة الإِنتظار من جانب، وجهاد العدوّ في أشدّ أشكاله من جانب آخر "فتأملوا بدقّة". 7 - كما ورد في روايات متعددة أن انتظار مثل هذه الحكومة الحقة من أفضل العبادات، وهذا المضمون ورد في بعض أحاديث النّبي (ص) وكلام الإِمام أميرالمؤمنين علي (ع). فقد ورد عن النّبي (ص) أنّه قال: "أفضل أعمال أُمّتي إنتظار الفرج من الله عزّوجلّ". (11) وقال (ص) في حديث آخر: "أفضل العبادة انتظار الفرج". (12) وهذان الحديثان يشيران إِلى انتظار الفرج، سواء الفرج بمفهومه الواسع العام أو بمفهومه الخاص أي انتظار ظهور المصلح ويبيّنان أهمية الإِنتظار بجلاء أيضاً. ومثل هذه التعابير تعني أنّ الإِنتظار معناه الثورية المقرونة بالتهيؤ للجهاد، فلابدّ أن نتصوّر هذا المعنى لنفهم المراد من الإِنتظار، ثمّ نحصل على النتيجة المتوخاة. مفهوم الإِنتظار! الإِنتظار: يطلق عادةً على من يكون في حالة غير مريحة وهو يسعى لإِيجاد وضع أحسن. فمثلا المريض ينتظر الشفاء من سقمه، أو الأب ينتظر عودة ولده من السفر، فهما أي المريض والأب مشفقان، هذا من مرضه وذاك من غياب ولده، فينتظران الحال الأحسن ويسعيان من أجل ذلك بما في وسعهما. وكذلك - مثلا - حال التّاجر الذي يعاني الأزمة السوقية وينتظر النشاط الإِقتصادى. فهاتان الحالتان أي: الاحساس بالأزمة، والسعيُ نَحْوَ الأحسن هما من الإِنتظار. فبناءً على ذلك، فإنّ مسألة إنتظار حكومة الحق والعدل، أي حكومة "المهدي (ع) " وظهور المصلح العالمي، مركبة في الواقع من عنصرين: عنصر نفي، وعنصر إِثبات، فعنصر النفي هو الإِحساس بغرابة الوضع الذي يعانيه المنتظر، وعنصر الإِثبات هو طلب الحال الأحسن! وإِذا قُدّر لهذين العنصرين أن يحلاّ في روح الإِنسان فإِنّهما يكونان مدعاة لنوعين من الأعمال وهذان النوعان هما: 1 - ترك كل شكل من أشكال التعاون مع أسباب الظلم والفساد، بل عليه أن يقاومها، هذا من جهة. 2 - وبناء الشخصية والتحرك الذاتي وتهيئة الإِستعدادات الجسمية والروحية والمادية والمعنوية لظهور تلك الحكومة العالمية الإِنسانية، من جهة أُخرى. ولو أمعنّا النظر لوجدنا أنّ هذين النوعين من الأعمال هما سبب في اليقظة والوعي والبناء الذاتي. ومع الإِلتفات إِلى مفهوم الإِنتظار الأصيل، ندرك بصورة جيدة معنى الرّوايات الواردة في ثواب المنتظرين وعاقبة أمرهم، وعندها نعرف لم سمّت الرّوايات المنتظرين بحقّ بأنّهم بمنزلة من كان مع القائم تحت فسطاطه "عجل الله فرجه" أو أنّهم تحت لوائه، أو أنّهم كمن يقاتل في سبيل الله بين يديه كالمستشهد بين يديه، أو كالمتشحط بدمه!... الخ تُرى أليست هذه التعابير تشير إِلى المراحل المختلفة ودرجات الجهاد في سبيل الحق والعدل، التي تتناسب ومقدار الإِستعداد ودرجة انتظار الناس؟ كما أنّ ميزان التضحية ومعيارها ليس في درجة واحدة، إِذا أردنا أن نزن تضحية المجاهدين، في سبيل الله ودرجاتهم وآثار تضحياتهم، فكذلك الإِنتظار وبناء الشخصيّة والإِستعداد، كل ذلك ليس في درجة واحدة، وإِن كان كلّ من هذه "العناوين" من حيث المقدمات والنتائج يشبه العناوين آنفة الذكر. فكلّ منهما جهاد وكل منهما استعداد وتهيؤ لبناء الذات، فمن هو تحت خيمة القائد وفي فسطاطه يعني أنّه مستقر في مركز القيادة، وعند آمرية الحكومة الاسلامية! فلا يمكن أن يكون إِنساناً غافلا جاهلا، فذلك المكان ليس مكاناً لكل أحد وإِنّما هو مكان من يستحقه بجدارة! فكذلك الأمر عندما يقاتل المقاتل بين يدي هدا القائد أعداء حكومة العدل والصلاح، فعليه أن يكون مستعداً بشكل كامل روحياً وفكرياً وقتالياً. ولمزيد التعرف على الآثار الواقعية لإِنتظار ظهور المهدي (ع) لاحظوا التوضيح التّالي: الإِنتظار يعنى الإِستعداد الكامل: اِذا كنتُ ظالماً مجرماً، فكيف يتسنى لي أن أنتظر من سيفه متعطش لدماء الظالمين؟! وإِذا كنتُ ملوّثاً غير نقي فكيف أنتظر ثورة يحرق لهبها الملوّثين؟! والجيش الذي ينتظر الجهاد الكبير يقوم برفع معنويات جنوده ويلهمهم روح الثورة، ويصلح نقاط الضعف فيهم إِن وجدت، لأنّ كيفية الإِنتظار تتناسب دائماً والهدف الذي نحن في انتظاره. 1 - انتظار قدوم أحد المسافرين من سفره. 2 - انتظار عودة حبيب عزيز جداً. 3 - انتظار حلول فصل اقتطاف الثمار وجني المحاصيل. كل من هذه الأنواع من الإِنتظار مقرون بنوع من الإِستعداد، ففي أحدها ينبغي تهيئة البيت ووسائل التكريم، وفي الآخر ما ينبغي أن يقتطف به من الادوات والسلال وهكذا... والآن سنتصوّر كيف يكون إنتظار ظهور مصلح عالمي كبير وكيف نكون في انتظار ثورة وتغيير وتحول واسع لم يشهد تأريخ الإِنسانية مثيلا له؟ الثورة التي ليست كسائر الثورات السابقة، إذ هي غير محدودة بمنطفة ما، بل هي عامّة وللجميع، وتشمل جميع شؤون الحياة والناس، فهي ثورة سياسية، ثقافية، اقتصادية، أخلاقية. الحكمة الأُولى، بناء الشّخصية الفرديّة: إِنّ بناء الشّخصية - قبل كل شيء - بحاجة إِلى عناصر معدّة ذات قيم إِنسانية، ليمكن للفرد أن يتحمل العبء الثقيل الإِصلاحي للعالم، وهذا الأمر بحاجة - أوّلا - إِلى الإِرتقاء الفكري والعلمي والإِستعداد الروحي، لتطبيق ذلك المنهج العظيم. فالتحجر، وضيق النظر والحسد، والإِختلافات الصبيانية، وكل نفاق بشكل عام أو تفرقة لا تنسجم ومكانة المنتظرين الواقعيين. والمسألة المهمّة - هنا - أنّ المنتظر الواقعي لا يمكنه أن يقف موقف المتفرج ممّا أشرنا إِليه آنفاً، بل لابدّ أن يقف في الصف الآخر، أي صف الثائرين المصلحين، فالإِيمان بالنتائج وما يؤول إليه هذا التحول، لا يسمح له أبداً أن يكون في صف "المثبطين" المتقاعسين، بل يكون في صف المخلصين المصلحين، ويكون عمله خالصاً وروحه أكثر نقاءً، وأن يكون شهماً عارفاً معرفةً كافية بالأُمور. فإِذا كنتُ فاسداً معوجّاً فكيف يمكنني أن أنتظر نظاماً لا مكان فيه للفاسدين؟ أليس مثل هذا الإِنتظار كافياً لأن أُطهّر نفسي وفكري، وأغسل جسمي وروحي من التلوّث؟! والجيش الذي ينتظر جهاداً تحررياً لابدّ له أن يكون في حالة من الإِستعداد الكامل، وأن يُهيىء السلاح الجدير بالمعركة، وأن يصنع الملاجىء والمواضع العسكرية اللازمة وأن يرفع المعنويات القتالية في صفوف أفراده، ويقوي روح? ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ محمدا ﴿بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ على جميع الأديان بالحجة والغلبة فينسخها أو على أهلها فيقهرهم، وعن الباقر (عليه السلام) أن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ ذلك.