لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية 40 ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ اثْنََيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَـحِبِهِ، لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ40﴾ التّفسير المدد الإلهي للرّسول في أشد اللحظات: كان الكلام في الآيات المتقدمة عن موضوع الجهاد ومواجهة العدوّ، وكما أشرنا فقد جاء الكلام عن الجهاد مؤكّداً بعدّة طرق، من ضمنها أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أنّكم إذا تقاعستم من الجهاد ونصرة النّبي (ص) فستذهب دعوته والإِسلام أدرَاج الرياح. فالآية محل البحث تعقّب على ما سبق لتقول: (إلاّ تنصروه فقد نصره الله). (1) وكان ذلك عندما تآمر مشركو مكّة على اغتيال النّبي (ص) وقتله، وقد مرّ بيان ذلك في ذيل الآية (30) من سورة الأنفال بالتفصيل، حيث قرّروا بعد مداولات كثيرة أن يختاروا من كل قبيلة من قبائل العرب رجلا مسلّحاً ويحاصروا دار النّبي (ص) ليلا، وأن يهجموا عليه الغداة ويحملوا عليه حملَة رجل واحد فيقطعوه بسيوفهم. ولكن النّبي (ص) اطّلع - بأمر الله - على هذه المكيدة، فتهيأ للخروج من (مكّة) والهجرة إلى (المدينة) إلاّ أنّه توجه نحو (غار ثور) الذي يقع جنوب مكّة وفي الجهة المخالفة لجادة المدينة واختبأ فيه، وكان معه (أبوبكر) في هجرته هذه. وقد سعى الأعداء سعياً حثيثاً للعثور على النّبي، إلاّ أنّهم عادوا آيسين، وبعد ثلاثة أيّام من اختباء النّبي (ص) وصاحبه في الغار واطمئنانه من رجوع العدوّ توجه ليلا نحو المدينة (في غير الطريق المطرّق) وبعد بضعة أيّام وصل (ص) المدينة سالماً، وبدأت مرحلة جديدة من تأريخ الإِسلام هناك. فالآية آنفة الذكر تشير إِلى أشدّ اللحظات حرجاً في هذا السَفَر التاريخي، فتقول: (إِذْ أخرجه الذين كفروا) وبالطبع فإنّهم لم يريدوا إِخراجه بل أرادوا قتله، لكن لما كانت نتيجة المؤامرة خروج النّبي من مكّة فراراً منهم، فقد نسبت الآية إِخراجه إِليهم. ثمّ تقول: كان ذلك في حال هو (ثاني اثنين). وهذا التعبير إِشارة إِلى أنّه لم يكن معه في هذا السفر الشاق إِلاّ رجل واحد، وهو أبو بكر (إِذ هما في الغار) أي غار ثور، فاضطرب أبو بكر وحزن فأخذ النّبي (ص) يسرّي عنه، وكما تقول الآية: (إِذ يقول لصاحبه لا تحزن إِنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها). ولعل هذه الجنود الغيبيّة هي الملائكة التي حفظت النّبي (ص) في سفره الشاق المخيف، أو الملائكة التي نصرته في معركتي بدر وحنين وأضرابهما. (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا). وهي إشارة إلى أنّ مؤامراتهم قد باءت بالخيبة والفشل وحبطت أعمالهم وآراؤهم، وشعّ نور الله في كل مكان، وكان الإِنتصار في كل موطن حليف محمّد (ص) ، ولم لا يكون الأمر كذلك (والله عزيز حكيم) ؟ فبعزته وقدرته نصر نبيّه، وبحكمته أرشده سبل الخير والتوفيق والنجاح. قصّة صاحب النّبي في الغار: هناك كلام طويل بين مفسّري الشيعة وأهل السنة في شأن صحبة أبي بكر النّبي (ص) في سفره وهجرته، وما جاءت من إشارات مغلقة في شأنه في الآية آنفاً. فمنهم مَن أفرط، ومنهم من فرّط. فالفخر الرازي في تفسيره سعى بتعصبه الخاص أن يستنبط من هذه الآية اثنتى عشرة فضيلة! لأبي بكر، ومن أجل تكثير عدد فضائله أخذ يفصّل ويسهّب بشكل يطول البحث فيه ممّا يتلف علينا الوقت الكثير. وعلى العكس من الفخر الرازي هناك من يصرّ على استنباط صفات ذميمة لأبي بكر من سياق الآية. وينبغي أن نعرف - أوّلا - هل تدل كلمة "الصاحب" على الفضيلة؟ والظاهر أنّها ليست كذلك، لأنّ الصاحب في اللغة تدلّ على الجليس أو الملازم للمسافر بشكل مطلق، سواء كان صالحاً أم طالحاً، كما نقرأ في الآية (37) من سورة الكهف عن محاورة رجلين فيما بينَهما، أحدهما مؤمن والآخر كافر (قال له صاحبه أكفرت بالذي خلقك من تراب) ؟! كما يصرّ بعضهم على أنّ مرجع الضمير من "عليه" في قوله تعالى (فأنزل الله سكينته عليه) يعود على أبي بكر، لأنّ النّبي (ص) لم يكن بحاجة إِلى السكينة، فنزول السكينة إِذن كان على صاحبه، أي أبي بكر. إِلاّ أنّه مع الإِلتفات إِلى الجملة التي تليها (وأيّده بجنود لم تروها) ومع ملاحظة اتحاد المرجع في الضمائر، يتّضح أن الضمير في "عليه" يعود على النّبي (ص) أيضاً، ومن الخطأ أن نتصور بأنّ السكينة إنّما هي خاصّة في مواطن الحزن والأسى، بل ورد في القرآن - كثيراً - التعبير بنزول السكينة على النّبي (ص) وذلك حين يواجه الشدائد والصعاب، ومن ذلك ما جاء في الآية (26) من هذه السورة أيضاً في شأن معركة حنين (ثمّ أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين). كما نقرأ في الآية (26) من سورة الفتح أيضاً (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) مع أنّه لم يَرِدْ في الجمل والتعابير المتقدمة على هاتين الجملتين أي شيء من الحزن وما إِلى ذلك، وإنّما ورد التعبير عن مواجهة الصعاب والتواء الحوادث... وعلى كل حال، فإنّ القرآن يدلّ أن نزول السكينة إنّما يكون عند الشدائد، وممّا لا ريب فيه أنّ النّبي (ص) كان يواجه اللحظات الصعبة وهو في (غار ثور)! والأعجب من كل ما تقدم أن بعضاً قال: بأنّ التعبير (وأيده بجنود لم تروها) يعود على أبي بكر. مع أنّ جميع المحاور في هذه الآية تدور حول نصرة الله نبيّه (ص) ، والقرآن يريد أن يكشف أنّ النّبي ليس وحده، وإذا لم ينصره أحد من أصحابه وجماعته، فإنّ الله سينصره. فكيف يمكن لأحد أن يترك الشخص الذي تدور حوله بحوث الآية، ويتّجه نحو شخص ثانوي وتبعي في منظور الآية؟! وهذا يَدلّ على أن التعصب بلغ حدّاً بأصحابه، بحيث منعهم حتى من الإِلتفات إلى معنى الآية. ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ﴾ أي الرسول ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ ألجئوه إلى الخروج من مكة لما هموا بنفيه أو حبسه أو قتله ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ حال أي معه واحد لا غير ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ نقب في ثور وهو جبل بقرب مكة ﴿إِذْ﴾ بدل ثان ﴿يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾ ولا مدح فيه إذ قد يصحب المؤمن الكافر كما قال له صاحبه وهو يحاوره ﴿لاَ تَحْزَنْ﴾ فإنه خاف على نفسه وقبض واضطرب حتى كاد أن يدل عليهما فنهاه عن ذلك ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَنَا﴾ عالم بنا ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم - إلى قوله - إلا هو معهم أي عالم بهم ﴿فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ﴾ طمأنينته ﴿عَلَيْهِ﴾ على الرسول وفي إفراده (صلى الله عليه وآله وسلّم) بها هاهنا مع اشتراك المؤمنين معه حيث ذكرت ما لا يخفى وجعل الهاء لصاحبه ينفيه كونها للرسول قبل وبعد ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ بالملائكة في الغار وفي حروبه ﴿وَجَعَلَ﴾ بنصره لرسوله ﴿كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى﴾ أي الشرك أو دعوته ﴿وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ أي التوحيد أو دعوة الإسلام ﴿وَاللّهُ عَزِيزٌ﴾ في أمره ﴿حَكِيمٌ﴾ في صنعه.