التّفسير
الكُسالى الطّامعون:
قلنا: إِنّ معركة تبوك كانت لها حالة استثنائية، وكانت مقترنة بمقدمات معقّدة وغامضة تماماً، ومن هنا فإن عدداً من ضعاف الإِيمان أو المنافقين أخذ "يتعلّل" في الإِعتذار عن المساهمة في هذه المعركة.
وقد وردت في الآيات المتقدمات ملامة للمؤمنين من قبل الله سبحانه لتباطؤهم في نصرة نبيّهم عند صدور الأمر بالجهاد، وعدم الإِسراع إِلى ساحة الحرب وأكّدت بأنّ الأمر بالجهاد لصالحكم، وإِلاّ فإنّ بإمكان الله أن يهيىء جنوداً مؤمنين شجعاناً مكان الكسالى الذين لاحظ لهم في الثبات والإِرادة، بل حتى مع عدمهم فهو قادر على أن يحفظ نبيّه، كما حفظه "ليلة المبيت"، وفي "غار ثور".
والعجيب أنّ عدداً من "خيوط العنكبوت" المنسوجة على مدخل الغار كانت سبباً لإِنحراف فكر الأعداء الألداء، وأن يعودوا قافلين آيسين بعد وصولهم إِلى هذا الغار، وأن يسلم النّبي (ص) من كيدهم.
فحيث أنّ بإمكان الله أن يغيّر مسير التأريخ، ببضعة خيوط من نسيج العنكبوت، فأية حاجة بهذا أو ذاك ليبدي كلّ معاذيره!!
وفي الحقيقة فإنّ جميع هذه الأوامر هي لتكامل المسلمين أنفسهم، لا لرفع الحاجة لدى الله سبحانه... وتعقيباً على هذا الكلام يدعو المؤمنين جميعاً مرّة أُخرى - دعوة عامّة - نحو الجهاد ويعنف المتسامحين فيقول سبحانه: (انفروا خفافاً وثقالا).
"الخفاف" جمع الخفيف، "الثقال" جمع الثقيل، ولهاتين الكلمتين مفهوم شامل يستوعب جميع حالات الإِنسان.
أي انفروا في أية حالة كنتم شباباً أم شيوخاً، متزوجين أم غير متزوجين، تعولون أحداً أم لا تعولون، أغنياءً أم فقراء، مبتلين بشيء أم غير مبتلين، أصحابَ تجارة أو زراعة أم لستم من أُولئك!
فكيف ما كنتم فعليكم أن تستجيبوا لدعوة الداعي إِلى الجهاد، وأن تنصرفوا عن أيّ عمل شغلتم به، وتنهضوا مسرعين إِلى ساحات القتال، وفي أيديكم السلاح.
وما قاله بعض المفسّرين من أنّ هاتين الكلمتين تعنيان مثلا واحداً ممّا ذكرنا آنفاً، لا دليل عليه أبداً، بل إنّ كل واحد ممّا ذكرناه مصداق جلي لمفهومها الوسيع.
ثمّ تضيف الآية قائلة: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) أي جهاداً مطلقاً عاماً من جميع الجهات، لأنّهم كانوا يواجهون عدوّاً قويّاً مستكبراً، ولا يتحقق النصر إِلاّ بأن يجاهدوا بكل ما وسعهم من المال والأنفس.
ولئلا يتوهّم أحد أنّ هذه التضحية يريدها الله لنفسه ولا تنفع أصحابها، فإنّ الآية تضيف قائلة: (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
أي إن كنتم تعلمون بأنّ الجهاد مفتاح عزتكم ورفعتكم ومنعتكم.
ولو كنتم تعلمون بأنّ أية أُمّة في العالم لن تصل بدون الجهاد إِلى الحرية الواقعية والعدالة.
ولو كنتم تعلمون بأنّ سبيل الوصول إِلى مرضاة اللّه والسعادة الأبدية وأنواع النعم والمواهب الإِلهية، كل ذلك إنّما هو في هذه النهضة المقدسة العامّة والتضحية المطلقة.
﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً﴾ نشاطا وغير نشاط أو ركبانا ومشاتا أو أغنياء وفقراء أو صحاحا ومرضى ونسخ بآية ليس على الأعمى وليس على الضعفاء ﴿وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ بما أمكن منهما ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ والخير علمتم أنه خير.