لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول هذا حسن لا قبيح! ذكرت عدّة أسباب متباينة لنزول الآية المذكورة ومنها أنّ الآية نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يذكرون النّبي (ص) بسوء، فنهاهم أحدهم وقال: لا تتحدثوا بهذا الحديث لئلا يصل إِلى سمع محمّد فيذكرنا بسوء ويؤلب الناس علينا. فقال له أحدهم - واسمه جلاس -: لا يهمنا ذلك، فنحن نقول ما نريد، وإِذا بلغه ما نقول سنحضر عنده وننكر ماقلناه، وسيقبل ذلك منا فإنّه سريع التصديق لما يقال له، ويقبل كل مايقال من كل أحد، فهو أُذُن، فنزلت الآية وأجابتهم. التّفسير تتحدّث الآية - كما يفهم من مضمونها - عن فرد أو أفراد كانوا يؤذون النّبي (ص) بكلامهم ويقولون أنّه أُذن ويصدّق كل ما يقال له سريعاً (ومنهم الذين يؤذون النّبي ويقولون هو أُذن). "الأذن" في الأصل تطلق على الجزء الظاهر من الحاسة السامعة (الصيوان) ، لكنّها تطلق على الأفراد الذين يصغون كثيراً لكلام الناس أو كما يقال: سَمّاع. هؤلاء المنافقون اعتبروا هذه الصفة - والتي هي سمة ايجابية للنّبي (ص) ، والتي يجب توفرها في أي قائد كامل - نقطة ضعف في سيرته ومعاملته (ص) ، وكأنّهم غفلوا عن أن القائد إِذا أراد أن يحبه الناس لابدّ أن يظهر لهم كل محبّة ولطف، وأن يقبل عذر المعتذر ما أمكن، ويستر على عيوبهم، (إِلاّ أن تكون هذه الصفة الحميدة سبباً لإِستغلالها من قبل البعض). من هنا نلاحظ أنّ القرآن قد ردّهم مباشرة، وأمر النّبي (ص) أن يقول لهم بأنّه إِذا كان يصغي لكلامكم، ويقبل أعذاركم، أو كما تظنون بأنّه أُذُن، فإنّ ذلك في مصلحتكم ولمنفعتكم (قل أُذُن خير لكم) ، فإنّه بذلك يحفظ ماء وجوهكم وشخصيتكم، ولا يجرح شعوركم وعواطفكم، وبذلك - أيضاً - يسعى لحفظ وحدتكم واتحادكم ومودتكم، ولو أراد أن يرفع الستار عن أفعالكم القبيحة، ويفضح الكاذبين على رؤوس الأشهاد، لضرّكم ذلك وشق عليكم، وافتضح عدّة منكم، وعندها سيُغلق أمامهم باب التوبة ممّا يؤدي إلى توغلهم في الكفر والابتعاد عن النّبي (ص) بعد أن كان من المحتمل هدايتهم. إِن القائد الرحيم والمحنّك يجب أن يكون مطّلعاً على كل شيء، لكن لا ينبغي له أن يجابه أفراده بأُمورهم الخاصّة والمجهولة عند الآخرين حتى يتربى من لهم الإِستعداد والقابلية وتبقى اسرار الناس في طي الكتمان. ويحتمل في تفسير الآية أن يراد معنى آخر، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى يقول في جواب هؤلاء الذين يعيبون على النّبي (ص) إِصغاءه للآخرين: ليس الأمر كما تظنون بأنّه يسمع كل ما يقال له، بل إِنّه يصغي إِلى الكلام الذي فيه نفعكم، أي أنّه يسمع الوحي الإِلهي، والإِقتراح المفيد، ويقبل اعتذار الأفراد إِذا كان هذا القبول في صالح المعتذرين والمجتمع (1). ومن أجل أن لا يستغل المتتبعون لعيوب الناس ذلك، ولا يجعلون هذه الصفة وسيلة لتأكيد كلامهم، أضاف الله تعالى أنّ النّبي (ص) يؤمن بالله ويطيع أوامره، ويصغي إِلى كلام المؤمنين المخلصين، ويقبله ويرتب عليه الأثر، (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) ، وهذا يعني أن النّبي (ص) كان له طريقان وأسلوبان في عمله: أحدهما: الحفاظ على الظاهر والحيلولة دون هتك الأستار وفضح أسرار الناس. والثّاني: في مرحلة العمل، فقد كان (ص) في البداية يسمع من كل أحد، ولا ينكر على أحد ظاهراً، أمّا في الواقع العملي فإنّه لا يعتني ولا يقبل إلاّ أوامر الله واقتراحات وكلام المؤمنين المخلصين، والقائد الواقعي يجب أن يكون كذلك فإن تأمين مصالح المجتمع لا يتم إلاّ عن هذا الطريق، لذلك عبر عنه بأنّه رحمة للمؤمنين (ورحمة للذين آمنوا). ويمكن أن يطرح هنا سؤال، وهو أننا نلاحظ في بعض الآيات التعبير عن النّبي (ص) بأنّه (رحمة للعالمين) ، (2) لكننا نقرأ هنا أنّه رحمة للمؤمنين، فهل يتطابق ذلك العموم مع هذا التخصيص؟ إِلاّ أنّنا إِذا لاحظنا نقطة دقيقة سيتّضح جواب هذا السؤال، وهي أنّ للرحمة درجات ومراتب متعددة، فإحداها مرتبة (القابلية والإستعداد) ، والأُخرى (الفعلية). فمثلا: المطر رحمة إِلهية، أي أنّ هذه القابلية واللياقة موجودة في كل قطرات المطر، فهي منشأ الخير والبركة والنمو والحياة، لكن من المسلّم أنّ آثار هذه الرحمة لا تظهر إلاّ في الأراضي المستعدّة، وعلى هذا فإنّه يصح قولنا: إِنّ جميع قطرات المطر رحمة، كما يصح قولنا: إِنّ هذه القطرات أساس الرحمة في الأراضي التي لها القابلية والإِستعداد لتقبل هذه الرحمة، فالجملة الأُولى إشارة إلى مرحلة (الإِقتضاء والقابلية) ، والجملة الثّانية إشارة إِلى مرحلة (الوجود والفعل) ، وعلى هذا فإنّ النّبي (ص) أساس الرحمة لكل العالمين بالقوة، أمّا بالفعل فهو مختص بالمؤمنين. بقي هنا شيء واحد، وهو أنّ هؤلاء الذين يؤذون النّبي (ص) بكلامهم ويتتبعون أحواله لعلهم يجدون عيباً يشهّرون به يجب أن لا يتصوروا أنّهم سوف يبقون بدون جزاء وعقاب، فصحيح أن النّبي (ص) مأمور، ومن واجبه - كقائد - أن يقابل هؤلاء برحابة صدر ولايفضحهم، لكن هذا لا يعني أنّهم سوف يبقون بدون جزاء، ولهذا قال تعالى في نهاية الآية: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم). 1- في الحقيقة، بناء على التّفسير الأوّل فإنّ (اذن خير) التي هي مضاف ومضاف إِليه من قبيل إضافة الموصوف إِلى الصفة، وعلى التّفسير الثّاني فهي من قبيل إِضافة الوصف إِلى المفعول، فعلى الإِحتمال الأوّل يكون المعنى، إنّه إنسان يقبل الكلام وهو خير لكم، وعلى الإِحتمال الثّاني فالمعنى: إنّه يسمع الكلام المفيد الذي ينفعكم، لا أنّه يسمع كل كلام. ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ باغتيابه ونم حديثه ﴿وَيِقُولُونَ﴾ لمن ينهاهم منهم عن ذلك لئلا يبلغه ﴿هُوَ أُذُنٌ﴾ يسمع كل قول ويقبله فإذا قلنا له لم نقل صدقنا، سمي بالجارحة مبالغة كالعين للربيئة أو من أذن أذنا استمع ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ﴾ مستمع خير ﴿لَّكُمْ﴾ لا مستمع شر ﴿يُؤْمِنُ بِاللّهِ﴾ يصدق به لدلائله ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يصدقهم لخلوصهم واللام زائدة للفرق بين إيمان الإذعان وغيره ﴿وَ﴾ هو ﴿رَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾ ظاهرا إذ يقنع ذلك ولا يكشف سركم ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ﴾ في نفسه أو في أهل بيته لقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا علي سلمك سلمي وحربك حربي وقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.