التّفسير
علامات المنافقين:
البحث في هذه الآيات يدور كالسابق حول سلوك المنافقين وعلاماتهم وصفاتهم، "فالآية الأُولى من هذه الآيات تشير إلى أمر كلّي، وهو أن روح النفاق يمكن أن تتجلّى بأشكال مختلفة وتبدو في صور متفاوتة بحيث لا تلفت النظر في أوّل الأمر، خصوصاً أن روح النفاق هذه يمكن أن تختلف بين الرجل والمرأة، لكن يجب أن لا يخدع الناس بتغيير صور النفاق بين المنافقين، المنافقين يشتركون في مجموعة من الصفات تعتبر العامل المشترك فيما بينهم، لذلك يقول الله سبحانه: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض).
وبعد ذلك يشرع القرآن الكريم في ذكر خمس صفات لهؤلاء:
الأُولى والثّانية: إنّهم يدعون الناس إلى فعل المنكرات ويرغبونهم فيها من جهة، ويُبعدونهم وينهونهم عن فعل الأعمال الصالحة من جهة أُخرى (يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) أي أنّهم يسلكون طريقاً ويتّبعون منهاجاً هو عكس طريق المؤمنين تماماً، فإنّ المؤمنين يسعون دائماً - عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - إِلى أن يصلحوا المجتمع وينقوه من الشوائب والفساد، بينما يسعى المنافقون إِلى إفساد كل زاوية في المجتمع واقتلاع جذور الخير والأعمال الصالحة من بين الناس من أجل الوصول إِلى أهدافهم المشؤومة، ولا شك أنّ وجود مثل هذا المحيط الفاسد والبيئة الملوّثة ستساعدهم كثيراً في تحقيق أهدافهم.
الثّالثة: إنّ هؤلاء بخلاء لا يتمتعون بروح الخير للناس فلا ينفقون في سبيل الله، ولا يعينون محروماً، ولا يستفيد أقوامهم ومعارفهم من أموالهم، فعبّر عنهم القرآن: (ويقبضون أيديهم) ولا شك أنّ هؤلاء إنّما يبخلون بأموالهم لأنّهم لا يؤمنون بالآخرة والثواب والجزاء المضاعف لمن أنفق في سبيل الله، بالرغم من أنّهم كانوا يبذلون الأموال الطائلة من أجل الوصول إِلى أغراضهم وآمالهم الشريرة الدنيئة، وربّما بذلوها ريإً وسمعة، لكنّهم لا يقدمون على البذل على أساس الإِخلاص لله سبحانه وتعالى.
الرّابعة: إِنّ كل أعمالهم وأقوالهم وسلوكهم يوضح أن هؤلاء قد نسوا الله، والوضع الذي يعيشونه يبيّن أن الله قد نسيهم في المقابل، وبالتالي فإنّهم قد حُرموا من توفيق الله وتسديده ومواهبة السنية، أي أنّه سبحانه قد عاملهم معاملة المنسيين، وآثار وعلامات هذا النسيان المتقابل واضحة في كل مراحل حياتهم، وإلى هذا تشير الآية: (نسوا الله فنسيهم).
وهنا نودّ الإِشارة إِلى أن نسبة النسيان إِلى الله جلّ وعلا ليست نسبة واقعية وحقيقية - كما هو المعلوم بديهة - بل هي كناية عن معاملة لهؤلاء معاملة الناسي، أي إنّه لا يشملهم برحمته وتوفيقه لأنّهم نسوه في البداية، ومثل هذا التعبير متداول حتى في الحياة اليومية بين الناس، فقد نقول لشخص مثلا: إِنّنا سوف ننساك عند إعطاء الأجرة أو الجائزة لأنّك قد نسيت واجبك، وهذا تعبير يعني أنّنا سوف لا نعطيه أجره ومكافأته.
وهذا المعنى ورد كثيراً في روايات أهل البيت (ع) (1).
وممّا ينبغي الإِلتفات إِليه أنّ موضوع نسيان الله تعالى قد عطف بفاء التفريع على نسيان هؤلاء القوم، وهذا يعني أنّ نتيجة نسيان هؤلاء لأوامر الله تعالى وطغيانهم وعصيانهم هي حرمانهم من مواهب الله ورحمته وعنايته.
الخامسة: إنّ المنافقين فاسقون وخارجون من دائرة طاعة أوامر الله سبحانه وتعالى، وقالت الآية: (إِنّ المنافقين هم الفاسقون).
ونلاحظ أنّ هذه الصفات المشتركة متوفرة في المنافقين في كل الاعصار.
فمنافقو عصرنا الحاضر وإِن تلبسوا بصور وأشكال جديدة، إلاّ أنّهم يتحدون في الصفات والأُصول المذكورة أعلاه مع منافقي العصور الغابرة، فإنّهم كسابقيهم يدعون الناس إِلى الفساد ويرغبونهم فيه، وينهون الناس عن فعل الخير ويمنعونهم إن استطاعوا، وكذلك في بخلهم وإِمساكهم وعدم إِنفاقهم، وبعد كل ذلك فإنّهم يشتركون في الأصل الأهم، وهو أنّهم قد نسوا الله سبحانه وتعالى في جميع مراحل حياتهم، وتعديهم على قوانينه وفسقهم.
وممّا يثير العجب أنّ هؤلاء بالرغم من كل هذه الصفات القبيحة السيئة يدّعون الإِيمان بالله والإِعتقاد الرصين بأحكام الدين الإِسلامي وأُصوله ومناهجه!
﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ﴾ في الدين أي النفاق ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ﴾ بالشرك وبالمعصية ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ الإيمان والطاعة ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ عن الإنفاق في الخير ﴿نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ تركوا طاعته فتركهم من لطفه ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ المتمردون في الكفر.