لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول ذكرت في سبب نزول هذه الآيات أقوال وآراء مختلفة، وكلّها تتفق على أن بعض المنافقين قد تحدثوا بأحاديث سيئة وغير مقبولة حول الإِسلام والنّبي (ص) ، وبعد أن فشا أمرهم وانتشرت أسرارهم أقسموا كذباً بأنّهم لم يتفوهوا بشيء، وكذلك فإنّهم قد دبروا مؤامرة ضد النّبيّ (ص) ، غير أنّها قد أُحبطت. ومن جملتها: أنّ أحد المنافقين - واسمه جلاس - سمع بعضاً من خطب الرّسول (ص) أيّام غزوة تبوك، وأنكرها بشدّة وكذبها، وبعد رجوع المسلمين إلى المدينة حضر رجل يقال له: عامر بن قيس - كان قد سمع جلاس - عند النّبي (ص) وأبلغه كلام جلاس، فلما حضر جلاس وسأله النّبي (ص) عن ذلك أنكر، فأمرهما النّبي (ص) أن يقسما بالله - في المسجد عند المنبر - أنّهما لا يكذبان، فاقتربا من المنبر في المسجد وأقسما، إلاّ أن عامراً دعا بعد القسم وقال: اللّهم أنزل على نبيّك آية تُعرِّف الصادق، فأمّن النّبي (ص) والمسلمون على دعائه. فنزل جبرئيل بهذه الآية، فلمّا بلغ قوله تعالى: (فإن يتوبوا يك خيراً لهم) قال جلاس: يا رسول الله، إنّ الله اقترح عليَّ التوبة، وإنّي قد ندمت على ما كان منّي، وأتوب منه، فقبل النّبي (ص) توبته. وكما أشرنا سابقاً فقد ذكر أن جماعة من المنافقين صمموا على قتل النّبي الأكرم (ص) في طريق عودته من غزوة تبوك، فلمّا وصل إِلى العقبة نفروا بعيره ليسقط في الوادي، إلاّ أنّ النّبي (ص) قد أطلع بنور الوحي على هذه النّية الخبيثة، فرد كيدهم في نحورهم وأبطل مكرهم. وكان زمام الناقة بيد عمار يقودها، وكان حذيفة يسوقها لتكون الناقة في مأمن تام، وأمر النّبي (ص) المسلمين أن يسلكوا طريقاً آخر حتى لا يخفي المنافقون أنفسهم بين المسلمين وينفّذوا خطتهم. ولما وصل إِلى سمع النّبي (ص) وقع أقدام هؤلاء أو حوافر خيولهم أمر بعض أصحابه أن يدفعوهم ويبعدوهم، وكان عدد هؤلاء المنافقين اثني عشر أو خمسة عشر رجلا، وكان بعضهم قد أخفى وجهه، فلمّا رأوا أن الوضع لا يساعدهم على تنفيذ ما اتفقوا تواروا عن الأنظار، إلاّ أن النّبي (ص) عرفهم وذكر أسماءهم واحداً واحداً لبعض أصحابه (1). لكن الآية - كما سنرى - تشير إلى خطتين وبرنامجين للمنافقين: إِحداهما: أقوال هؤلء السيئة. والأُخرى: المؤامرة والخطة التي أحبطت، وعلى هذا الأساس فإنا نعتقد أن كلا سببي النزول صحيحان معاً. التّفسير مؤامرة خطرة: إنّ إرتباط هذه الآية بالآيات السابقة واضح جدّاً، لأنّ الكلام كان يدور حول المنافقين، غاية ما في الأمر أنّ هذه الآية تزيح الستار عن عمل آخر من أعمال المنافقين، وهو أن هؤلاء عندما رأوا أن أمرهم قد انكشف، انكروا ما نُسب إِليهم بل أقسموا باليمين الكاذبة على مدّعاهم. في البداية تذكر الآية أن هؤلاء المنافقين لا يرتدعون عن اليمين الكاذبة في تأييد إنكارهم، ولدفع التهمة فإنّهم (يحلفون بالله ما قالوا) في الوقت الذي يعلمون أنّهم ارتكبوا ما نسب إليهم من الكفر (ولقد قالوا كلمة الكفر) وعلى هذا فإنّهم قد اختاروا طريق الكفر بعد إعلانهم الإِسلام (وكفروا بعد اسلامهم.). ومن البديهي أن هؤلاء لم يكونوا مسلمين منذ البداية، بل إنّهم أظهروا الإسلام فقط، وعلى هذا فإنّهم بإظهارهم الكفر قد هتكوا ومزّقوا حتى هذا الحجاب المزيف الذي كانوا يتسترون به. وفوق كل ذلك فقد صمّموا على أمر خطير لم يوفقوا لتحقيقه (وهمّوا بما لم ينالوا) ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى تلك المؤامرة لقتل النّبي (ص) في ليلة العقبة، والتي مرّ ذكرها آنفاً، أو أنّه إشارة إلى كل أعمال المنافقين التي يسعون من خلالها إلى تحطيم المجتمع الإسلامي وبثّ بذور الفرقة والفساد والنفاق بين أوساطه، لكنّهم لن يصلوا إلى أهدافهم مطلقاً. ممّا يستحق الإِنتباه أن يقظة المسلمين تجاه الحوادث المختلفة كانت سبباً في معرفة المنافقين وكشفهم، فقد كان المسلمون - دائماً - يرصدون هؤلاء، فإذا سمعوا منهم كلاماً منافياً فإنّهم يخبرون النّبي (ص) به من أجل منعهم وتلقي الأوامر فيما يجب عمله تجاه هؤلاء. إنّ هذا الوعي والعمل المضاد المؤيّد بنزول الآيات أدى إلى فضح المنافقين وإحباط مؤامراتهم وخططهم الخبيثة. الجملة الأُخرى تبيّن واقع المنافقين القبيح ونكرانهم للجميل فتقول الآية: إنّ هؤلاء لم يروا من النّبي (ص) أي خلاف أو أذى، ولم يتضرروا بأي شيء نتيجة للتشريع الإِسلامي، بل على العكس، فإنّهم قد تمتعوا في ظل حكم الإسلام بمختلف النعم المادية والمعنوية (وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من فضله) (2) وهذه قمة اللؤم. ولا شك أنّ إغناءهم وتأمين حاجاتهم في ظل رحمة الله وفضله وكذلك بجهود النّبي (ص) لا يستحق أن ينقم من جرائه هؤلاء المنافقون، بل إنّ حقّه الشكر والثناء، إلاّ أنّ هؤلاء اللؤماء المنكرين للجميل والمنحرفي السيرة والسلوك قابلوا الاحسان بالإساءة. ومثل هذا التعبير الجميل يستعمل كثيراً في المحادثات والمقالات، فمثلا نقول للذي أنعمنا عليه سنين طويلة وقابل إحساننا بالخيانة: إنّ ذنبنا وتقصيرنا الوحيد أنّنا أويناك ودافعنا عنك وقدّمنا لك منتهى المحبّة على طبق الإخلاص. غير أنّ القرآن - كعادته - رغم هذه الأعمال لم يغلق الأبواب بوجه هؤلاء، بل فتح باب التوبة والرجوع إِلى الحق على مصراعيه إن أرادوا ذلك، فقال: (فإنّ يتوبوا يك خيراً لهم). وهذه علامة واقعية الإِسلام واهتمامه بمسألة التربية، ومعارضته لاستخدام الشدّة في غير محلّها وهكذا فتح باب التوبة حتى بوجه المنافقين الذين طالماً كادوا للإسلام وتآمروا على نبيّه وحاكوا الدسائس والتهم ضده، بل إنّه دعاهم إلى التوبة أيضاً. هذه في الحقيقة هي الصورة الواقعية للإِسلام، فما أظلم هؤلاء الذين يرمون الإِلام بأنّه دين القوة والإِرهاب والخشونة! هل توجد في عالمنا المعاصر دولة مستعدة لمعاملة من يسعى لإسقاطها وتحطيمها كما رأينا في تعامل الإِسلام السامي مع مناوئيه، مهما ادّعت أنّها من أنصار المحبة والسلام؟! وكما مرّ علينا في سبب نزول الآية، فإنّ أحد رؤوس النفاق والمخططين له لما سمع هذا الكلام تاب ممّا عمل، وقبل النّبي (ص) توبته. وفي نفس الوقت ومن أجل أن لا يتصور هؤلاء أن هذا التسامح الإسلامي صادر من منطق الضعف، حذّرهم بأنّهم إن استمروا في غيهم وتنكّروا لتوبتهم، فإنّ العذاب الشديد سينالهم في الدّارين (وإنّ يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة) وإذا كانوا يظنون أنّ أحداً يستطيع أن يمدّ لهم يد العون مقابل العذاب ا لإِلهي فإنّهم في خطأ كبير، فإنّ العذاب إذا نزل بهم فساء صباح المنذرين: (وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير). من الواضح بديهة أنّ عذاب هؤلاء في الآخرة معلوم، وهو نار جهنم، أمّا عذابهم في الدنيا فهو فضيحتهم ومهانتهم وتعاستهم وأمثال ذلك. ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ﴾ شيئا يسوؤك ﴿وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾ أظهروا الكفر بعد إظهار كلمة الإسلام ﴿وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ﴾ من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة العقبة في عوده من تبوك وهم اثنا عشر فأخبره الله بذلك فأمر حذيفة فضرب وجوه رواحلهم فردوا أو إخراجه من المدينة ﴿وَمَا نَقَمُواْ﴾ ما أنكروا ﴿إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾ بالغنائم بعد فقرهم وحاجتهم أي لم يصبهم منه إلا هذا وليس مما ينقم ﴿فَإِن يَتُوبُواْ﴾ عن النفاق ويخلصوا ﴿يَكُ﴾ أي التوب ﴿خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا﴾ عن الخير ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا﴾ بالقتل ﴿وَالآخِرَةِ﴾ بالنار ﴿وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ﴾ يمنعه منهم ﴿وَلاَ نَصِيرٍ﴾ يدفعه عنهم.