وتشير الآية الثّانية إِلى أنّ هؤلاء قد ظنوا بأنّهم قد حققوا نصراً بتخلفهم وتخذيلهم المسلمين وصرف أنظارهم عن مسألة الجهاد، وضحكوا لذلك وقهقهوا بملء أفواههم، وهذا هو حال المنافقين في كل عصر وزمن، إلاّ أنّ القرآن حذّرهم من مغبة أعمالهم فقال: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً).
نعم، ليبكوا على مستقبلهم المظلم ليبكوا على العذاب الأليم الذي ينتظرهم ليبكوا على أنّهم أعلقوا كل أبواب العودة بوجوههم، وأخيراً ليبكوا على ما أنفقوا من قوتهم وقدراتهم وعمرهم الثّمين، واشتروا به الخزي والفضيحة وسوء العاقبة وتعاسة الحظ.
وفي نهاية الآية يبيّن الله تعالى أنّ هذه العاقبة التي تنتظرهم هي (جزاء بما كانوا يكسبون).
ممّا قلناه يتّضح أنّ المقصود هو: إنّ هذه الجماعة يجب أن يضحكوا قليلا في هذه الدنيا ويبكوا كثيراً، لأنّهم لو اطلعوا على ما ينتظرهم من العذاب الأليم لبكوا كثيراً ولضحكوا قليلا بالفعل.
إلاّ أنّ بعض المفسّرين يذكر رأياً آخر في تفسير هذه الآية، وهو أنّهم مهما ضحكوا فإنّ ضحكهم قليل لقصر عمر الدنيا، وسيبكون في الآخرة بكاء بحيث أن كل بكاء الدنيا لا يعادل شيئاً من ذلك البكاء.
غير أن التّفسير الأوّل أنسب وأوفق لظاهر الآية، وللتعبيرات المشابهة لها سواء وردت في الأقوال أم الكتابات، خاصّة إذا علمنا أن اللازم من التّفسير الثّاني أن يكون معنى الأمر في الأية هو الإِخبار لا الأمر، وهذا خلاف الظاهر.
ويشهد للمعنى الأوّل الحديث المعروف عن النّبي (ص) ، والذي ذكره كثير من المفسّرين، حيث قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً".
(فتأمل جيداً).
وفي آخر آية - من الآيات محل البحث - إِشارة إِلى طريقة أُخرى دقيقة وخطرة من طرق المنافقين، وهي أنّهم حينما يفعلون ما يخالف القانون الإِسلامي، فإنّهم يُظهرون أعمالا يحاولون بها جبران ما صدر منهم، ومحاولة تبرئة ساحتهم ممّا يستحقون من العقوبة، وبهذه الأعمال المناقضة لأعمالهم المخالفة للقانون فإنّهم يخفون وجوههم الحقيقة، أو يسعون إِلى ذلك.
﴿فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً﴾ في الدنيا ﴿وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا﴾ في النار أو في الآخرة إخبار عن حالهم بصيغة الأمر ليؤذن بتحتمه ﴿جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.