ثمّ تشير الآية إِلى الفئة الرّابعة من المعفو عنهم وهؤلاء هم الذين حضروا - بشوق - عند النّبي (ص) وطلبوا منه أن يحملهم على الدواب للمشاركة في الجهاد، فاعتذر النّبي (ص) بأنّه لا يملك ما يحملهم عليه، فخرجوا من عنده وعيونهم تفيض من الدمع حزناً وأسفاً على ما فاتهم، وعلى أنّهم لا يملكون ما ينفقونه في سبيل الله: (ولا على الذين إِذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون).
"تفيض" من مادة الفيضان، أي الإِنسكاب والتساقط بعد الإِمتلاء، فإنّ الإنسان إِذا أهمه أمر أو دهمته مصيبة، فإذا لم تكن شديدة اغرورقت عيناه بالدموع وامتلأت دون أن تجري، أمّا إذا وصلت إِلى مرحلة يضعف الإِنسان عن تحملها سالت دموعه.
إنّ في هذه دلالة على أنّ هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله (ص) كانوا عشاقاً ومولهين بالجهاد إِلى درجة أنّهم لما رُخص لهم في البقاء لم يكتفوا بالتأسف والهمّ لهذه الرخصة، بل إنّهم جرت دموعهم كما لو فقد إنسان أعز أصدقائه وأحبائه، وبكوا بكاءً مرّاً لهذا الحرمان.
لا شك أن الفئة الرّابعة لا تفترق عن الفئة الثّالثة المذكورة في الآية ولكنّهم لهذه الحالة الخاصّة من العشق، ولإمتيازهم بها عن السابقين، ولتكريمهم جسمت الآية وضعهم بصورة مستقلة ضمن نفس الآية، وكانت خصائصهم هي:
أوّلا: إنّهم لم يقتنعوا بعدم ملكهم لمستلزمات الجهاد، فحضروا عند النّبي (ص) طمعاً في الحصول عليها، وأصروا عليه أصراراً شديداً في تهيئتها إِنّ أمكنه ذلك.
ثانياً: إنّ النّبي (ص) لما اعتذر عن تلبية طلبهم لم يكتفوا بعدم الفرحة بذلك، بل انقلبوا بهمّ وحزن فاضت دموعهم بسببه، ولهاتين الخصلتين ذكرهم الله سبحانه وتعالى مستقلا في الآية.
﴿وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ على مركب للغزو معك وقيل على الخفاف والبغال وهم سبعة من الأنصار أو من قبائل شتى ﴿قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ حال بتقدير قد ﴿تَوَلَّواْ﴾ انصرفوا جواب إذا ﴿وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ﴾ تسيل ﴿مِنَ الدَّمْعِ﴾ نصب محلا تمييزا ومن بيانية ﴿حَزَنًا﴾ مفعول له أو حال أو مصدر ﴿أَلاَّ﴾ لئلا ﴿يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ﴾ في الجهاد.