سبب النزول
يقول بعض المفسّرين: إنّ هذه الآيات نزلت في جماعة من المنافقين يبلغ عددهم ثمانين رجلا، لأنّ النّبي (ص) لما رجع من غزوة تبوك أمر أن لا يجالسهم أحد ولا يكلمهم، فلمّا رأى هؤلاء هذه المقاطعة الإِجتماعية الشديدة بدأوا يعتذرون عمّا بدر منهم، فنزلت هذه الآيات لتبيّن حال هؤلاء وحقيقتهم.
التّفسير
لا تصغوا إِلى أعذارهم وأيمانهم الكاذبة:
تستمر هذه السلسلة من الآيات في الحديث عن الأعمال الشيطانية للمنافقين، وتزيح الستار عنها الواحد تلو الآخر، وتحذر المسلمين من الإنخداع بريائهم أو الوقوع تحت تأثير كلماتهم المعسولة.
الآية الأُولى تبيّن للمسلمين أن هؤلاء إِذا علموا بقدومكم فسيأتون (يعتذرون إِليكم إِذا رجعتم إِليهم).
إِن التعبير بـ (يعتذرون) بصيغة المضارع، يظهر منه أن الله تعالى قد أطلع النّبي (ص) من قبل على كذب المنافقين، وأنّهم سيأتونهم ليعتذروا إِليهم، ولذلك فإنّه تعالى علمهم كيفية جواب هؤلاء إذا قدموا إِليهم ليعتذروا منهم.
ثمّ يتوجه الخطاب إِلى النّبي (ص) - باعتباره قائد المسلمين - بأن يواجه المنافقين (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم) لأنّا على علم بأهدافكم الشيطانية وما تضمرون وما تعلنون، إذ (قد نبأنا الله من أخباركم).
إلاّ أنّه في الوقت نفسه سيبقى باب التوبة والرجوع إِلى الصواب مفتوحاً أمامكم (وسيرى الله عملكم وروسوله).
واحتمل البعض في تفسير هذه الآية أنّ التوبة ليست هي المقصودة من هذه الجملة، بل المقصود أن الله ورسوله سيطلعان على أعمالكم ويريانها في المستقبل كما رأياها الآن، وسيحبطان كل مؤامراتكم، وعلى هذا فلا يمكن أن تصنعوا شيئاً، لا اليوم ولا عذاً، ولنا بحث مفصّل حول هذه الجملة، ومسألة عرض أعمال الأمة على نبيّها (ص) سيأتي في ذيل الآية (105) من هذه السورة.
ثمّ قالت الآية: إنّ كل أعمالكم ونياتكم ستثبت اليوم في كتبكم (ثمّ تردون إِلى عام الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ﴾ في التخلف ﴿إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ من تبوك ﴿قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ﴾ بالكذب ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ﴾ لن نصدقكم إذ ﴿قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ﴾ أعلمنا ﴿مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ بعضها وهو ما أضمرتم من النفاق ﴿وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ هل تتوبون أو تصرون على كفركم ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ أي إلى الله ﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بالجزاء عليه.