التّفسير:
الأعراب القساة والمؤمنون:
في هذه الآيات الثّلاث - استمراراً للبحث المتقدم حول منافقي المدينة - حديث وبحث حول وضع منافقي الأعراب - وهم سكان البوادي - وعلاماتهم وأفكارهم، وكذلك قد تحدثت حول المؤمنين الخلص منهم.
وربّما كان السبب في تحذير المسلمين من هؤلاء، هو أن لا يتصور المسلمون أن المنافقين هم - فقط - هؤلاء المتواجدون في المدينة، بل إنّ المنافقين من الأعراب أشدّ وأقسى، وشواهد التأريخ الإِسلامي تدل على المسلمين قد تعرضوا عدّة مرات لهجوم منافقي البادية، ولعل الإِنتصارات المتلاحقة لجيش الإِسلام هي التي جعلت المسلمين في غفلة عن خطر هؤلاء.
على كل حال، فالآية الأُولى تقول: إنّ الأعراب، بحكم بعدهم عن التعليم والتربية، وعدم سماعهم الآيات الرّبانية وكلام النّبي (ص) ، أشدّ كفراً ونفاقاً من مشابهيهم في المدينة: (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً) ولهذا البعد والجهل فمن الطبيعي، بل الاؤلى أن يجهلوا الحدود والأحكام الإِلهية التي نزلت على النّبي (ص): (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله).
كلمة "الأعراب" من الكلمات التي تعطي معنى الجمع، ولا مفرد لها في لغة العرب، وعلى ما قاله أئمّة اللغة - كمؤلف القاموس والصحاح وتاج العروس وآخرون - فإن هذه الكلمة تطلق على سكان البادية فقط، ومختصة بهم، وإذا أرادوا اطلاقهم على شخص واحد فإنّهم يستعملون نفس هذه الكلمة ويلحقون بها ياء النسب، فيقولون: أعرابي.
وعلى هذا فإنّ أعراب ليست جمع عرب كما يظن البعض.
أمّا "أجدر" فهي مأخوذة من الجدار، ومن ثمّ أُطلقت على كل شيء مرتفع ومناسب، ولهذا فإنّ (أجدر) تستعمل - عادةً - بمعنى الأنسب والأليق.
وتقول الآية أخيراً: (والله عليم حكيم) أي إِنّه تعالى عندما يحكم على الأعراب بمثل هذا الحكم، فلأنّه يناسب الوضع الخاص لهم، لأنّ محيطهم يتصف بمثل هذه الصفات.
لكن ومن أجل لا يُتوهم بأنّ كل الأعراب أو سكان البوادي يتصفون بهذه الصفات، فقد أشارت الآية التالية إِلى مجموعتين من الاعراب.
﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ﴾ يعد ﴿مَا يُنفِقُ﴾ في سبيل الله ﴿مَغْرَمًا﴾ غرما وخسرانا إذ لا يرجو ثوابا بل ينفقه خوفا ورياء وهم أسد وغطفان ﴿وَيَتَرَبَّصُ﴾ ينتظر ﴿بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ صروف الزمان وانقلابه عليكم ليخلصوا منكم ﴿عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ﴾ منقلبة ﴿السَّوْءِ﴾ بالفتح الرد إنه مصدر وبالضم المكروه أي ينقلب عليهم البلاء والضرر لا عليكم ﴿وَاللّهُ سَمِيعٌ﴾ لمقالهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بحالهم.