لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير الزّكاة مطهرة للفرد والمجتمع: في الآية الأُولى من هذه الآيات إِشارة إِلى أحد الأحكام الإِسلامية المهمّة، وهي مسألة الزكاة، حيث تأمر النّبي (ص) بشكل عام أن (خذ من أموالهم صدقة). إنّ كلمة (من) التبعيضية توضح أنّ الزكاة تشكل - دائماً - جزءاً من الأموال، لا أنّها تستوعب جميع الأموال، أو الجزء الأكبر منها. ثمّ تشير إلى قسمين من الفلسفة الأخلاقية والإِجتماعية للزكاة، حيث تقول: (تطهّرهم وتزكيهم بها) فهي تطهرهم من الرّذائل الأخلاقية، ومن حبّ الدنيا وعبادتها، ومن البخل وغيره من مساوىء الأخلاق، وتزرع مكانها خلال الحب والسخاء ورعاية حقوق الآخرين في نفوسهم. وفوق كل ذلك فإنّ المفاسد الإِجتماعية والإنحطاط الخلقي والإِجتماعي المتولّد من الفقر والتفاوت الطبقي والذي يؤدي إِلى وجود طبقة محرومة، كل هذه الأُمور ستقتلع بتطبيق هذه الفريضة الإِلهية وأدائها، وهي التي تطهر المجتمع من التلوث الذي يعيشه ويحيط به، وكذلك سيفعّل التكافل الإِجتماعي، وينمو ويتطور الإِقتصاد في ظل مثل هذه البرامج. وعلى هذا فإنّ حكم الزكاة مطهر للفرد والمجتمع من جهة ويكرّس الفضيلة في النفوس من جهة أُخرى، وهو سبب في تقدم المجتمع أيضاً، ويمكن القول بأنّ هذا التعبير أبلغ مايمكن قوله في الزكاة، فهي تزيل الشوائب من جهة، ووسيلة للتكامل من جانب آخر. ويحتمل أيضاً في معنى هذه الآية أن يكون فاعل (تطهّرهم) هو الزكاة، وفاعل (تزكيهم) (النّبي (ص)) ، وعلى هذا سيكون معنى هذه الآية هو: إنّ الزكاة تطهرهم، وإن النّبي (ص) هو الذي يربيهم ويزكيهم. إِلاّ أنّ الأظهر أنّ الفاعل في كلا الفعلين هو النّبي (ص) ، كما شرحنا وبيّنا ذلك في البداية، رغم أنّه ليس هناك فرق كبير في النتيجة. ثمّ تضيف الآية في خطابها للنّبي (ص) بأنّك حينما تأخذ الزكاة منهم فادع لهم (وصلّ عليهم). إِنّ هذا يدل على وجوب شكر الناس وتقديرهم، حتى إِذا كان مايؤدونه واجباً عليهم وحكماً شرعياً يقومون به، وترغيبهم بكل الطرق، وخاصّة المعنوية والنفسية، ولهذا ورد في الرّوايات أنّ الناس عندما كانوا يأتون بالزكاة إِلى النّبي (ص) كان يدعو لهم يقول: "اللهم صل عليهم". ثمّ تقول الآية: (إنّ صلاتك سكن لهم) لأنّ من بركات هذا الدعاء أن تنزل الرحمة الإِلهية عليهم، وتغمر قلوبهم ونفوسهم الى درجة أنّهم كانوا يحسون بها. مضافاً إِلى ثناء النّبي (ص) ، أو من يقوم مقامه في جمع زكاة أموال الناس بحدّ ذاته يبعث على خلق نوع من الراحة النفسية والفكرية لهم، بحيث يشعرون بأنّهم إِن فقدوا شيئاً بحسب الظاهر، فإنّهم قد حصلوا - قطعاً - على ما هو أفضل منه. اللطيف في الأمر، أنّنا لم نسمع لحد الآن أن المأمورين بجمع الضرائب مأمورين بشكر الناس وتقديرهم، إلاّ أنّ هذا الحكم الذي شُرع كحكم مستحب في الأوامر والأحكام الإِسلامية يعكس عمق الجانب الإِنساني في هذه الأحكام. وفي نهاية الآية نقرأ: (والله سميع عليم) وهذا الختام هو المناسب لما سبق من بحث في الآية، إذ أن الله سبحانه يسمع دعاء النّبي (ص) ، ومطلع على نيّات المؤدين للزّكاة. ملاحظات 1 - يتّضح من سبب النزول المذكور لهذه الآية، أنّ هذه الآية ترتبط بالآية التي سبقتها في موضوع توبة أبي لبابة ورفاقه، لأنّهم - وكشكر منهم لقبول توبتهم - أتوا بأموالهم ووضعوها بين يدي النّبي (ص) ليصرفها في سبيل الله، إلاّ أنّه (ص) اكتفى بأخذ قسم منها فقط. إِلاّ أنّ سبب النزول هذا لا ينافي - مطلقاً - أن هذه الآية بيّنت حكماً كلياً عاماً في الزكاة، ولا يصحّ ما طرحه بعض المفسّرين من التضاد بين سبب نزولها وما بينته من حكم كلي، كما قلنا ذلك مكرراً في سائر آيات القرآن وأسباب نزولها. السؤال الوحيد الذي يبقى هنا، هو أنّ النّبي (ص) - حسب رواية - قد قبل ثلث أموال أبي لبابة وأصحابه، في الوقت الذي لا يبلغ مقدار الزكاة الثلث في أي مورد، ففي الحنطة والشعير والتمر والزبيب العشر أحياناً، وأحياناً جزء من عشرين جزءاً، وفي الذهب والفضة (5، 2%) ، وفي الأنعام (البقر والغنم والإِبل) لا يصل إِلى الثلث مطلقاً. لكن يمكن الإِجابة على هذا السؤال بأنَّ النّبي (ص) قد أخذ قسماً من أموالهم بعنوان الزكاة، والمقدار الإِضافي الذي يكمل الثلث بعنوان الكفّارة عن ذنوبهم، وعلى هذا فإنَّ النّبي (ص) قد أخذ الزكاة الواجبة عليهم، ومقداراً آخر لتطهيرهم من ذنوبهم وتكفيرها فكان المجموع هو الثلث. 2 - إنّ حكم (خذ) دليل واضح على أنّ رئيس الحكومة الإِسلامية يستطيع أن يأخذ الزكاة من الناس، لا أنّه ينتظر الناس فإن شاؤوا أدّوا الزكاة، وإلاّ فلا. 3 - إِنَّ جملة (صلّ عليهم) وإن كانت خطاباً للنّبي (ص) ، إلاّ أنّه من المسلّم أنّها في معرض بيان حكم كلّي - لأنّ القانون الكلّي يعني أن الأحكام الإِسلامية تجري على النّبي (ص) وباقي المسلمين على السواء، ومختصات النّبي من جانب الأحكام يجب أن تثبت بدليل خاصّ - وعلى هذا فإنّ المسؤولين عن بيت المال في كلّ عصر وزمان يستطيعون أن يدعوا لمؤدي الزكاة بجملة: "اللّهم صلّ عليهم". وممّا يثير العجب أنّ بعض المتعصبين من العامّة لم يجوز الصلاة مستقلة على آل الرّسول (ص) ، أي أنّ شخصاً لو قال: (اللّهمَّ صلِّ على عليّ أمير المؤمنين) أو: (صلِّ على فاطمة الزَّهراء) فإِنَّهم اعتبروا ذلك ممنوعاً وحراماً! في الوقت الذي نعلم أنّ منع مثل هذا الدعاء هو الذي يحتاج إِلى دليل، لا جوازه! إِضافةً إِلى أنّ القرآن الكريم - كما قلنا سابقاً - قد أجاز بصراحة مثل هذا الدعاء في حق أفراد عاديين، فكيف بأهل بيت رسول الله (ص) وخلفائه؟! لكن، ماذا يمكن عمله؟ فإنّ التعصبات قد تقف أحياناً مانعة حتى من فهم آيات القرآن. ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ هي الزكاة المفروضة ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ الصدقة أو أنت ﴿وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ تنمي حسناتهم ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ ترحم عليهم بالدعاء لهم ﴿إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ﴾ طمأنينة ﴿لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ﴾ لدعائك ﴿عَلِيمٌ﴾ بخلقه.