تحركوا في جوف الليل ليدركوهم بسرعة، فبلغوهم صباحاً كما تقول الآية الأُولى من الآيات محل البحث: (فاتبعوهم مشرقين(2) فلمّا تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنّا لمدركون).
فأمامنا بحر خضم متلاطم بالأمواج، ومن ورائنا بحر من الجيوش المتعطشة للدماء بتجهيزاتها الكاملة... هؤلاء الغاضبون علينا وهم الذين قتلوا أطفالنا الأبرياء سنين طوالا... وفرعون نفسه رجل دموي جبار... فعلى هذا سيحاصروننا بسرعة، ويقتلوننا جميعاً بحدّ السيوف، أو سيأسروننا ويعذبوننا، والقرائن جميعها تدل على ذلك.
وهنا مرّت لحظات عسيرة على بني إسرائيل... لحظات مُرّة لايمكن وصف مرارتها... ولعل جماعة منهم تزلزل إيمانهم وفقدوا معنوياتهم وروحياتهم.
إلاّ أنّ موسى(ع) كان مطمئناً هادىء البال، وكان يعرف أن وعد الله في هلاك فرعون وقومه ونجاة بني إسرائيل لايتخلف أبداً ولن يخلف الله وعده رسله!...
لذلك التفت إلى بني إسرائيل الفزعين بكمال الإطمئنان والثقة و (قال كلاّ إن معي ربّيْ سيهدين).
ولعلّ هذا التعبير يشير إلى وعد الله لموسى وأخيه هارون حين أمرهما بإنذار قومهما، إذ قال لهما: (إنّي معكما أسمع وأرى).(3)
إذ كان موسى يعلم أن الله معه في كل مكان، وخاصّة تعويله في كلامه على كلمة (ربّي) أي الله المالك والمربّي هذا يدل على أنّ موسى(ع) كان يدري أنّه لا يطوي هذا الطريق بخطاه، بل بلطف الله القادر الرحيم...
﴿فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ﴾ حصل كل منهما بمرأى للآخر ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ لملحقون.