وفي هذه الحال التي قد يكون البعض سمعوا كلامه دون أن يصدقوه، وكانوا ينتظرون آخر لحظات حياتهم، صدر أمر الله كما يقول القرآن: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر...).
تلك العصا التي هي في يوم آية إنذار، وفي يوم آخر آية رحمة ونجاة!
فامتثل موسى(ع) أمر ربه فضرب البحر، فإذا أمامه مشهد رائع عجيب، تهللت له أسارير وجوه بني إسرائيل، إذا انشقَّ البحر (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)!
و "انفلق" مأخوذ من "الفَلَق" ومعناه الإنشقاق و "فَرَقَ" من مادة "فرْق" على زنة "حلق" ومعناه الإنفصال!
وبتعبير آخر، كما يقول الراغب في مفرداته: أن الفرق بين (فلق) و (فرق) هو أن الأوّل يشير إلى الإنشقاق (أو الإنشطار) والثّاني يشير إلى الإنفصال، ولذا تطلق الفرقة والفِرَق على القطعة أو الجماعة التي انفصلت عن البقيّة!...
"الطود" معناه الجبل العظيم، ووصف الطود بالعظمة في الآية تأكيد آخر على معناه.
وعلى كل حال، فإنّ الله الذي ينفذ أمره في كل شيء، وبأمره تموج البحار وتتصرف الرياح وتتحرك العواصف وكل شيء في عالم الوجود من رشحات فضله وقدرته أصدر أمره الى البحر، وأمواجه، فالتحمت الأمواج وتراكمت بعضها إلى بعض، وظهرت ما بينها طُرُق سالكة، فمرّتْ كل فرقة من بني إسرائيل في إحدى الطرق!
﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ﴾ بأن أو أي ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ القلزم أو إساف فضربه ﴿فَانفَلَقَ﴾ انشق فرقا بينها اثنا عشر مسلكا ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ كالجبل الشامخ الراسي فسلك كل سبط مسلكا.