لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول تتحدث الآيات أعلاه عن جماعة أُخرى من المنافقين الذين أقدموا - من أجل تحقيق أهدافهم المشؤومة - على بناء مسجد في المدينة، عرف فيما بعد بـ (مسجد الضرار). وقد ذكر هذا الموضوع كل المفسّرين الإِسلاميين، وكثير من كتب التاريخ والحديث، مع وجود اختلافات في جزئياته. وخلاصة القضية - كما تستفاد من التفاسير والأحاديث المختلفة - أنّ جماعة من المنافقين أتوا إِلى النّبي (ص) وطلبوا منه أن يسمح لهم ببناء مسجد في حي بني سليم - قرب مسجد قبا - حتى يصلي فيه العاجزون والمرضى والشيوخ، وكذلك ليصلي فيه جماعة من الناس الذين لا يستطيعون أن يحضروا مسجد قبا في الأيّام الممطرة، ويؤدوا فرائضهم الإِسلامية، وكان ذلك في الوقت الذي كان فيه النّبي (ص) عازماً على التوجه إِلى تبوك. فأذن لهم النّبي (ص) ، إلاّ أنّهم لم يكتفوا بذلك، بل طلبوا منه أن يصلي فيه، فأخبرهم بأنّه عازم على السفر الآن، وعند عودته بإذن الله فسوف يأتي مسجدهم ويصلي فيه. فلمّا رجع النّبي (ص) من تبوك حضروا عنده وطلبوا منه الحضور في مسجدهم والصلاة فيه، وأن يدعوا الله لهم بالبركة، وكان النّبي (ص) لم يدخل بعد أبواب المدينة، فنزل الوحي وتلا عليه هذه الآيات، وكشف الستار عن الأعمال هؤلاء، فأمر النّبي بحرق المسجد المذكور، وبهدم بقاياه، وأن يُجعل مكانه محلا لرمي القاذورات والأوساخ. إِذا نظرنا إِلى الوجه الظاهري لهذا العمل، فسوف نتحير في البداية، فهل أن بناء مسجد لحماية المرضى والطاعنين في السنن من الظروف الطارئة، والذي هو في حقيقته عمل ديني وخدمة إِنسانية، يعدّ عملا مضراً وسيئاً حتى يصدر في حقّه هذا الحكم؟ إلاّ أنّنا إذا دققنا النظر في الواقع الباطني وحققناه رأينا أنّ هذا الأمر بهدمه في منتهى الدقة. وتوضيح ذلك، أنّ رجلا في زمن الجاهلية يقال له: أبو عامر، كان قد اعتنق النصرانية، وسلك مسلك الرهبانية، وكان يعد من الزهاد والعباد وله نفوذ واسع في طائفة الخزرج. وعندما هاجر النّبي (ص) إِلى المدينة واحتضنه المسلمون ونصروه وبعد انتصار المسلمين على المشركين في معركة بدر، رأى أبو عامر - الذي كان يوماً من المبشرين بظهور النّبي (ص) - أنّ الناس قد انفضوا من حوله، وبقي وحيداً، وعند ذلك قرر محاربة الإِسلام، فهرب من المدينة إِلى كفار مكّة، واستمد منهم القوّة لمحاربة النّبي (ص) ، ودعا قبائل العرب لذلك فكان ينفذ ويقود جزءاً من مخططات معركة أحد، وهو الذي أمر بحفر الحفر بين الصفين والتي سقط النّبي (ص) في أحدها فجرحت جبهته وكُسرت رباعيته. فلمّا إنتهت غزوة أحد بكل ما واجه المسلمون فيها من مشاكل ونوائب، دوى صوت الإِسلام أكثر من ذي قبل، وعمّ كل الأرجاء، فهرب أبو عامر من المدينة وذهب إِلى هرقل ملك الروم ليستعين به قتال النّبي (ص) ، وليرجع إِلى المسلمين ويقاتلهم في جحفل لجب وجيش عظيم. ويلزم هنا أن نذكر هذه النقطة، وهي أنّ النّبي (ص) لما رأى صدر منه من التحريض والدعوة لقتال المسلمين ونبيّهم سمّاه (فاسقاً). يقول البعض: إنّ الموت لم يمهله حتى يُطلع هرقل على نواياه ومشاريعه، إلاّ أنّ البعض الآخر يقول: إِنّه اتصل بهرقل وتحمس لوعوده! على كل حال، فإنّه قبل أن يموت أرسل رسالة إِلى منافقي المدينة يبشرهم فيها بالجيش الذي سيصل لمساعدتهم، وأكّد عليهم بالخصوص على أن يبنوا له مركزاً ومقرّاً في المدينة ليكون منطلقاً لنشاطات المستقبل. ولما كان بناء مثل هذا المقر، وباسم أعداء الإِسلام غير ممكن عملياً، رأى المنافقون أن يبنوا هذا المقر تحت غطاء المسجد، وبعنوان مساعدة المرضى والعاجزين. وأخيراً تمّ بناء المسجد، ويقال أنّهم اختاروا شاباً عارفاً بالقرآن من بين المسلمين يقال له: "مجمع بن حارثة" أو "مجمع بن جارية" وأوكلوا له إمامة المسجد. إِلاّ أنّ الوحي الإِلهي أزاح الستار عن عمل هؤلاء، وربّما لم يأمر النّبي (ص) بشيء قبل ذهابه إِلى تبوك ليواجه هؤلاء بكل شدّة، من أجل أن يتّضح أمرهم أكثر من جهة، ولئلا ينشغل فكرياً وهو في مسيرة إِلى تبوك بما يمكن أن يحدث فيما لو أصدر الأمر. وكيف كان، فإنّ النّبي (ص) لم يكتف بعدم الصلاة في المسجد وحسب، بل إنّه - كما قلنا - أمر بعض المسلمين - وهم مالك بن دخشم، ومعنى بن عدي، وعامر بن سكر أو عاصم بن عدي - أن يحرقوا المسجد ويهدموه، فنفذ هؤلاء ما أُمروا به، فعمدوا إِلى سقف المسجد فحرّقوه، ثمّ هدموا الجدران، وأخيراً حولوه إِلى محل لجمع الفضلات والقاذورات (1). التّفسير معبد وثني في صورة مسجد! أشارت الآيات السابقة إِلى وضع مجاميع مختلفة من المخالفين، وتُعَرِّف الآيات التي نبحثها مجموعة أُخرى منهم، المجموعة التي دخلت حلبة الصراع بخطة دقيقة وذكية، إلاّ أن اللطف الإِلهي أدرك المسلمين، وبدد أحلام المنافقين بإبطال مكرهم وإحباط خطتهم. فالآية الأُولى تقول: (والذين اتخذوا مسجداً) (2) وأخفوا أهدافهم الشريرة تحت هذا الإسم المقدس، ثمّ لخصت أهدافهم في أربعة أهداف: 1 - إِنّ هؤلاء كانوا يقصدون من هذا العمل إِلحاق الضرر بالمسلمين، فكان مسجدهم (ضراراً). "الضرار" تعني الإضرار العمدي، وهؤلاء في الواقع بعكس ما كانوا يدّعونه من أنّ هدفهم تأمين مصالح المسلمين ومساعدة المرضى والعاجزين عن العمل، كانوا يسعون من خلال هذه المقدمات إِلى المكيدة بالنّبي (ص) ورسالته، وسحق المسلمين، بل إذا استطاعوا أن يقتلعوا الدين الإسلامي وجذوره من صفحة الوجود فإنّهم سوف لا يقصرون في هذا السبيل. 2 - تقوية أُسس الكفر، ومحاولة إِرجاع الناس إِلى الحالة التي كانوا يعيشونها قبل الإِسلام: (وكفراً). 3 - إِيجاد الفرقة بين المسلمين، لأنّ اجتماع فئة من المسلمين في هذا المسجد سيقلل من عظمة التجمع في مسجد قبا الذي كان قريباً منه، أو مسجد النّبي (ص) الذي كان يبعد عنه، (وتفريقاً بين المؤمنين). ويظهر من هذه الجملة - وكذلك فهم بعض المفسّرين - أنّ المسافة بين المساجد يجب أن لا تكون قليلة بحيث يؤثر الإِجتماع في مسجد على جماعة المسجد الآخر، وعلى هذا فإنّ الذين يبنون المساجد أحدها إِلى جانب الآخر بدافع من التعصب القومي، أو الأغراض الشخصية ويفرقون جماعات المسلمين بحيث تبقى صفوف الجماعة خالية لا روح فيها ولا جاذبية، يرتكبون ما يخالف الأهداف الإِسلامية. 4 - والهدف الأخير لهؤلاء هو تأسيس مقر ومركز لإيواء المخالفين للدين وأصحاب السوابق، السيئة، والإِنطلاق من هذا المقر في سبيل تنفيذ خططهم ومؤامراتهم: (وإِرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل). إِلاّ أنّ ممّا يثير العجب أنّ هؤلاء قد أخفوا كل هذه الأغراض الشريرة والأهداف المشؤومة في لباس جميل ومظهر خداع، وأنّهم لايريدون إلاّ الخير: (وليحلفن إِن أردنا إلاّ الحسنى) وهذا هو دين المنافقين وديدنهم في كل العصور، فإنّهم إضافة إِلى تلبسهم بلباس حسن، فإنّهم يتوسلون عند الضرورة بأنواع الأيمان الكاذبة من أجل تضليل الرأي العام، وإنحراف الأفكار. إِلاّ أنّ القرآن الكريم يبيّن أن الله تعالى الذي يعلم السرائر وما في مكنون الضمائر، والذي تساوى لديه الظاهر والباطن، والغيب والشهادة يشهد على كذب هؤلاء: (والله يشهد إِنّهم لكاذبون). في هذه الجملة نلاحظ عدة تأكيدات لتكذيب هؤلاء، فهي جملة اسمية أوّلا، ثمّ إنّ كلمة (إِن) للتأكيد، وأيضاً اللام في (لكاذبون) ، والتي تسمى لام الإِبتداء تفيد التأكيد، وكذلك فإنّ مجيء كلمة (كاذبون) مكان الفعل الماضي دليل على استمرارية كذب هؤلاء، وبهذه التأكيدات فإنّ الله سبحانه وتعالى قد كذّب أيمان هؤلاء المغلظة والمؤكدة أشد تكذيب. ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ مضارة لأهل مسجد قبا إذ بنوه وسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يأتيهم فأتاهم وصلى فيهم فحسدهم منافقو بني غنم وبنوا مسجدا وسألوه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يصلي فيه وكان متجهزا إلى تبوك فقال أنا على جناح سفر ولو قدمنا صلينا فيه إن شاء الله فلما رجع نزلت ﴿وَكُفْرًا﴾ وتقوية لما يضمرونه من الكفر ﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين كانوا يجتمعون للصلاة في مسجد قبى ﴿وَإِرْصَادًاا﴾ ترقبا ﴿لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾ قبل بنائه ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا﴾ ببنائه ﴿إِلاَّ﴾ الخصلة ﴿الْحُسْنَى﴾ من الصلاة والتوسعة على الضعفاء ﴿وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في حلفهم.