لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول درس كبير! قال المفسّرون: إِنّ الآية الأُولى نزلت في غزوة تبوك، وما واجهه المسلمون من المشاكل والمصاعب العظيمة، هذه المشاكل التي كانت من الكثرة والصعوبة بمكان بحيث صمّم جماعة على الرجوع، إلاّ أنّ اللطف الإِلهي والتوفيق الرّباني شملهم،، فثبتوا في مكانهم. ومن جملة من قيل أن الآية نزلت فيهم أبوخيثمة، وكان من أصحاب النّبي (ص) ، لا من المنافقين، إلاّ أنّه لضعفه امتنع عن التوجه إِلى معركة تبوك مع النّبي (ص). مرّت عشرة أيّام على هذه الواقعة، وكان الهواء حاراً محرقاً، فحضر يوماً عند زوجتيه، وكنّ قد هيأن خيمته، وأحضرن الطعام اللذيذ والماء البارد، فتذكر فجأة النّبي (ص) ، وغاص في تفكير عميق، وقال في نفسه: إِنّ رسول الله (ص) الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وضمن له آخرته، قد حمل سلاحه على عاتقه وسار في الصحاري المحرقة، وتحمل مشقّة هذا السفر، أمّا أبو خيثمة - يعني نفسه - فهو في ظل بارد، يتمتع بأنواع الأطعمة، والنساء الجميلات!! إنّ هذا ليس من الإنصاف. فالتفت إلى زوجاته وقال: أقسم بالله أن لا أكلم إحداكن كلمة، ولا أستظل بهذه الخيمة حتى ألتحق بالنّبي (ص). قالذلك وحمل زاده وجرابه وركب بعيره وسار، وجهدت زوجتاه أن يكلمنه فلم يعبأ بهما ولم ينبس بنبت شفة، وواصل سيره حتى اقترب من تبوك. فقال المسلمون بعضهم لبعض: من هذا الراكب على الطريق؟ ، فقال النّبي (ص): "كن أبا خيثمة" فلمّا اقترب وعرفه الناس، قالوا: نعم، هو أبو خيثمة، فأناخ راحلته وسلّم على النّبي (ص) ، وحدثه بما جرى له، فرحبّ به النّبي (ص) ، ودعا له. وبذلك فإنّه كان من جملة الذين مال قلبهم إلى الباطل، إلاّ أنّ الله سبحانه وتعالى لما رأى استعداده الروحي أرجعه إلى الحق وثبّت قدمه. وقد نقل سبب آخر لنزول الآية الثّانية، خلاصته: إنّ ثلاثة من المسلمين وهم: "كعب بن مالك" و"مرارة بن ربيع"و "وهلال بن أمية"، امتنعوا من المسير مع النّبي (ص) والإشتراك في غزوة تبوك، إلاّ أن ذلك ليس لكونهم جزءاً من المنافقين، بل لكسلهم وتثاقلهم، فلم يمض زمان حتى ندموا. فلمّا رجع النّبي (ص) من غزوة تبوك حضروا عنده وطلبوا منه العفو عن تقصيرهم، إلاّ أن النّبي (ص) لم يكلمهم حتى بكلمة واحدة، وأمر المسلمين أيضاً أن لا يكلموهم. لقد عاش هؤلاء محاصرة اجتماعية عجيبة وشديدة، حتى أنّ أطفالهم ونساءهم أتوا إلى النّبي (ص) ، وطلبوا الإذن منه في أن يفارقوا هؤلاء إلاّ أنّ النّبي (ص) لم يأذن لهم بالمفارقة، لكنّه أمرهم أن لا يقتربوا منهم. إنّ فضاء المدينة بوسعته قد ضاق على هؤلاء النفر، واضطروا للتخلص من هذا الذل والفضيحة الكبيرة إلى ترك المدينة والإلتجاء إلى قمم الجبال. ومن المسائل التي أثرت تأثيراً روحياً شديداً، وأوجدت صدمة نفسية عنيفة لدى هؤلاء ما رواه كعب بن مالك قال: كنت يوماً جالساً في سوق المدينة وأنا مغموم، فتوجه نحوي رجل مسيحي شامي، فلمّا عرفني سلمني رسالة من ملك الغساسنة كتب فيها: إذا كان صاحبك قد طردك وأبعدك فالتحق بنا، فتغير حالي وقلت: الويل لي، لقد وصل أمري إلى أن يطمع بي العدو! خلاصة الأمر: إنّ عوائل هؤلاء وأصدقاءهم كانوا يأتونهم بالطعام، إلاّ أنّهم لا يكلمونهم قط، ومضت مدّة على هذه الحال وهم يتجرعون ألم الإنتظار والترقب في أن تنزل آية تبشرهم بقبول توبتهم، لكن دون جدوى في هذه الأثناء خطرت على ذهن أحدهم فكرة وقال: إذا كان الناس قد قطعوا علاقتهم بنا واعتزلونا، فلماذا لا يعتزل كل منا صاحبه، صحيح أنّنا مذنبون جميعاً، لكن يحب أن لا يفرح أحدنا لذنب الآخر. وبالفعل اعتزل بعضهم بعضاً، ولم بتكلموا بكلمة واحدة، ولم يجتمع اثنان منهم في مكان. وأخيراً... وبعد خمسين يوماً من التوبة والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى قبلت توبتهم ونزلت الآية في ذلك (1). التّفسير الحصار الاجتماعي للمذنبين: تتحدّث هذه الآيات أيضاً عن غزوة تبوك، والمسائل والأحداث التي ترتبط بهذا الحدث الكبير، وما جرى خلاله. فتشير الآية الأُولى إلى رحمة الله اللامتناهية التي شملت النّبي (ص) والمهاجرين والأنصار في اللحظات الحساسة، وتقول: (لقد تاب الله على النّبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة). ثمّ تُبيّن أن شمول هذه الرحمة الإِلهية لهم كان في وقت اشتدت فيه الحوادث والضغوط والإِضطرابات إِلى الحد الذي أوشكت أن تزل فيه أقدام بعض المسلمين عن جادة الصواب، (وصمموا على الرجوع من تبوك) فتقول: (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم). ثمّ توكّد مرّة أُخرى على أن الله سبحانه قد تاب عليهم، فتقول: (ثمّ تاب عليهم إِنّه بهم رؤوف رحيم). ﴿لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ﴾ افتتح به لأنه سبب توبتهم وفي قراءتهم (عليهم السلام) لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ﴾ في وقت ﴿الْعُسْرَةِ﴾ في الخروج إلى غزوة تبوك مع قلة الظهر والماء والزاد وشدة الحر ﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ﴾ أي الشأن أو القوم ﴿يَزِيغُ﴾ بالياء والتاء ﴿قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ إلى الانصراف عنه لشدة ما هم فيه ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ بثباتهم ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ قدم الأبلغ إذ الرأفة شدة الرحمة للفاصلة.