لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
بعد استعراض جانب من النعم الإِلهية في الآية، تذكر الآية التالية أن هذه النعم تستدعي الشكر، وبالإستفادة الصحيحة من هذه النعم يؤدي الإنسان حقّ شكر الباري تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُون﴾. واضح أن عبارة ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ لا تشير إلى معنى عاطفي بين الله وعباده كما يقول النّاس لبعضهم ذلك. بل تشير إلى أصل تربوي وتكويني، أي اذكروني... اذكروا الذات المقدسة التي هي معدن الخيرات والحسنات والمبرات ولتطهر أرواحكم وأنفسكم، وتكون قابلة لشمول الرحمة الإلهية. ذكركم لهذه الذات المقدسة يجعل تحرككم أكثر إخلاصاً ومضاء وقوّة واتحاداً. كذلك المقصود من «الشكر وعدم الكفران» ليس تحريك اللسان بعبارات الشكر، بل المقصود استثمار كل نعمة في محلها وعلى طريق نفس الهدف الذي خلقت له، كي يؤدي ذلك الى زيادة الرحمة الإلهية. بحثان 1 - أقوال المفسرين في تفسير ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾: للمفسرين آراء متنوعة في تفسير هذه الآية، وفي بيان كيفية ذكر العبد وذكر الله. الفخر الرازي في تفسيره لخصها في عشرة: 1 - اُذكروني «بالإطاعة» كي أذكركم «برحمتي». والشاهد على ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا الله والرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. 2 - اُذكروني «بالدعاء» كي أذكركم «بالإجابة»، دليل ذلك قوله تعالى: ﴿أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. 3 - اُذكروني «بالثناء والطاعة» لأذكركم «بالثناء والنعمة». 4 - اُذكروني في «الدنيا» لأذكركم في «الآخرة». 5 - أُذكروني في «الخلوات» كي أذكركم في «الجمع». 6 - أُذكروني «لدى وفور النعمة» لأذكركم في «الصعاب». 7 - أُذكروني «بالعبادة» لأذكركم «بالعون»، والشاهد على ذلك قوله: ﴿إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَاكَ نَسْتَعِين﴾. 8 - أُذكروني «بالمجاهدة» لأذكركم «بالهداية»، الشاهد على ذلك قوله سبحانه في الآية 69 من سورة العنكبوت: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾. 9 - أُذكروني «بالصدق والإخلاص» لأذكركم «بالخلاص ومزيداً للإختصاص». 10 - أُذكروني «بالربوبية» لأذكركم بالرحمة. دليل ذلك مجموع آيات سورة الحمد. كل واحدة من التفاسير المذكورة هي طبعاً مظهر من مظاهر المعنى الواسع للآية. ولا تقتصر هذه المظاهر على ما سبق فيشمل المعنى أيضاً: أُذكروني «بالشكر» لأذكركم «بزيادة النعمة» كما ورد في قوله سبحانه: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ كل ذكر لله - كما قلنا - له أثر تربوي في وجود الإنسان إذ يجعل روحه مستعدة لنزول بركات جديدة متناسبة مع طريقة الذكر. 2 - المقصود من ذكر الله: من المؤكد أن ذكر الله ليس بتحريك اللسان فقط، بل اللسان ترجمان القلب، الهدف هو التوجه بكل الوجود إلى ذات البارئ سبحانه، ذلك التوجّه الذي يصون الإنسان من الذنب ويدعوه إلى الطاعة. ومن هنا ورد في أحاديث عديدة عن المعصومين: أن ذكر الله ليس باللسان فحسب، ومن ذلك حديث عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ي يوصي به علياً قائ: «ثَلاَثٌ لاَ تُطِيقُهَا هذِهِ الأُمَّةُ: الْمُوَاسَاةٌ لِلأَخِ فِي مَالِهِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِهِ، وَذِكْرُ اللهِ عَلَى حَالِ، وَلَيْسَ هُوَ سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، وَلَكِنْ إِذَا وَرَدَ على مَا يَحْرُمُ عَلَيْه خَافَ اللهَ تَعَالى عِنْدَهُ وَتَرَكَهُ». على أية حال، لا ينبغي أن نغفل عن الروعة في هذا الإقتران... الله سبحانه على عظمته وجلاله وجبروته يقرن ذكره بذكر عبده الضعيف المحدود الصغير، إنه تكريم ما بعده تكريم للإنسان ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ بطاعتي ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ برحمتي ﴿وَاشْكُرُواْ لِي﴾ نعمتي ﴿وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ بجحدها.