التّفسير
يدور الكلام في هذه الآيات - أيضاً - حول عقائد وأعمال المشركين، ثُمَّ دعوتهم إِلى التوحيد ونفي كل أنواع الشرك.
فالآية الأُولى تشير إِلى بعض سلوكيات المشركين الحمقاء، وتقول: أِنّنا عندما نبتلي الناس بالمشاكل والنكبات من أجل إِيقاظهم وتنبيههم، ثمّ نرفع هذا البلاء عنهم ونذيقهم طعم الراحة والهدوء بعد تلك الضرّاء، فإِنّهم بدلا من أن ينتبهوا لهذه الآيات ويرجعوا إِلى الصواب، يسخرون بها، أو يفسرونها بتفسيرات غير صحيحة، فمثلا يفسرون الإِبتلاءات والمشاكل بأنّها نتيجة غضب الأصنام، والنعم والطمأنينة بأنّها دليل على شفقتها، أو أنّهم يعدون كل هذه الأُمور صدفة محضة: (وإِذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إِذا لهم مكر في آياتنا).
إِنّ كلمة "مكر" في الآية أعلاه، والتي تعني بشكل عام إعمال الفكر، تشير إِلى التوجيهات الخاطئة وطرق التهرّب التي يفكر بها المشركون عند مواجهة الآيات الإلهية، وظهور أنواع البلايا والنعم.
إِلاّ أنّ الله سبحانه حذر هؤلاء بواسطة نبيّه، وأمره أن (قل الله أسرع مكراً).
وكما أشرنا مراراً، الى أنّ المكر في الأصل هو كل نوع من التخطيط المقترن بالعمل المخفي، لا المعنى الذي يفهم من هذه الكلمة اليوم، وهو الإِقتران بنوع من الشيطنة، وعلى هذا فإِنّه يصدق على الله سبحانه كما يصدق على العباد (1).
لكن ما هو مصداق المكر الإِلهي في هذه الآية؟
الظاهر أنّها إِشارة إِلى نفس تلك العقوبات الإِلهية التي يحلّ بعضها في نهاية الخفاء وبدون أية مقدمة وبأسرع ما يكون، بل إِنّه يعاقب ويعذب بعض المجرمين بأيديهم أحياناً.
ومن البديهي أن من هو أقدر من الكل وأقوى من الجميع على دفع الموانع وتهيئة الأسباب، ستكون خططه - أيضاً - هي الأسرع.
وبتعبير آخر فإِنّ الله سبحانه في أي وقت يريد أنزال العقاب بأحد العباد أو تنبيهه، فإِنّ هذا العقاب سيتحقق مباشرة، في حين أن الآخرين ليسوا كذلك.
ثمّ يهدد هؤلاء بأن لا تظنوا أنّ هذه المؤامرات والخطط ستُنسى، بل إِنّ رسلنا - أي الملائكة - يكتبون كل هذه المخططات التي تهدف إِلى إِطفاء نور الحق: (إِنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون) ولذلك يجب أن تهيئوا أنفسكم للجواب والعقاب في الحياة الأُخرى.
وسنبحث كتابة الأعمال والملائكة المأمورين بها في الآيات المناسبة.
﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً﴾ نعمة وخصبا ﴿مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ﴾ شدة وجدب ﴿إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾ بتكذيبها والقدح فيها ﴿قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا﴾ مجازاة على المكر ﴿إِنَّ رُسُلَنَا﴾ الحفظة ﴿يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ وقرىء بالياء.