سبب النّزول
روى جلال الدين السيوطي عن ابن عباس، أن عدداً من المسلمين أمثال «معاذ بن جبل» و«سعد بن معاذ» و«خارجة بن زيد» سألوا أحبار اليهود عن مسائل في التوراة قد ترتبط بظهور النّبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأبى الأحبار أن يجيبوا وكتموا ما عندهم من علم.
التّفسير
حرمة كتمان الحق:
الآية - وإن خاطبت كما في أسباب النّزول، علماء اليهود - غير محدودة بمخاطبيها، بل تبين حكماً عاماً بشأن كاتمي الحق.
الآية الكريمة تتحدث عن هؤلاء بشدّة وتقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبِيِّنَاتِ وَالْهُدَىْ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ، أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ﴾.
فالله سبحانه وعباده الصالحون وملائكته المقربون يلعنون من يكتم الحق، وبعبارة اُخرى، كل أنصار الحق يغضبون على من كتم الحق.
وأية خيانة للعالم أكبر من محاولة العلماء كتمان آيات الله المودعة عندهم من أجل مصالحهم الشخصية ولتضليل النّاس.
وعبارة ﴿مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ﴾ إشارة إلى أن هؤلاء الأفراد يصادرون في الواقع جهود الأنبياء وتضحيات أولياء الله الصالحين، وهو ذنب عظيم.
والفعل (يلعن) تكرر في الآية للتأكيد، واستعمل بصيغة المضارع لبيان استمرار اللعن، ومن هنا فإنّ لعنة الله ولعنة اللاعنين تلاحق هؤلاء الكاتمين لآيات الله باستمرار، وذلك أقسى صور العقاب.
«البينات» و«الهدى» لهما معنى واسع يشمل كل وسائل الهداية والتوعية والإيقاظ وإنقاذ النّاس.
﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾ من كتمانهم ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ أعمالهم وما كانوا أفسدوه ﴿وَبَيَّنُواْ﴾ ما كتموا ﴿فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ أقبل توبتهم ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البالغ في العقود والإحسان.