التّفسير
لامعنى للشك في العذاب الإِلهي:
كان البحث في الآيات السابقة عن جزاء وعقاب المجرمين في هذه الدنيا والعالم الآخر، وتكمل هذه الآيات هذا البحث أيضاً.
فالآية الأُولى تقول: إِنّ هؤلاء يسألونك بتعجب واستفهام عن حقيقة هذا الوعيد بالعذاب الإِلهي في هذا العالم والعالم الآخر: (ويستنبئونك أحق هو) ومن المعلوم أنّ "الحق" هنا ليس في مقابل الباطل، بل المراد منه هو: هل إِنّ لهذه العقوبة حقيقة وواقعاً وأنّها ستتحقق؟
لأنّ الحق والتحقق مشتقان من مادة واحدة، ومن البديهي أنّ الحق في مقابل الباطل بهذا المعنى الواسع سيشمل كل واقع موجود، وستكون النقطة المقابلة له كل معدوم وباطل.
ويأمر الله سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السؤال بما أوتي من التأكيد: (قل أي وربّي إِنّه لحق) وإِذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإِلهي فانتم على خطأ كبير: (وما أنتم بمعجزين).
الواقع إِنّ هذه الجملة مع الجملة السابقة من قبيل بيان المقتضي والمانع، ففي الجملة الأُولى يقول: إِن عذاب المجرمين امر واقعي، ويضيف في الجملة الثّانية أن أية قدرة لاتستطيع أن تقف أمامه، تماماً كالآيات (رقم 8) - (رقم 9) من سورة الطور: (إِنّ عذاب ربّك لواقع ما له من دافع).
إِنّ التأكيدات التي تلاحظ في الآية تستحق الإِنتباه، فمن جهة القسم، ومن جهة أُخرى إِنّ ولام التأكيد، ومن جهة ثالثة جملة (وما أنتم بمعجزين) وكل هذه توكّد على أنّ العقاب الإِلهي حتمي عند ارتكاب الكبائر.
﴿وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ أي ما تعدنا به من البعث والعذاب أو ما جئت به من القرآن والشريعة ﴿قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ لا شك فيه ﴿وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ بفائتين العذاب.