لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وأخيراً بعد الإنتهاء من هذا القِسمِ من قصة إبراهيم، وكلماته مع قومه الضالين، ودعائه ربَّه، ووصفه ليوم القيامة، يكرر الله آيتين مثيرتين بمثابة النتيجة لعبادة جميعاً، وهاتان الآيتان وردتا في ختام قصة موسى وفرعون، كما وردتا في قصص الأنبياء الآخرين من السورة ذاتها فيقول: (إنّ في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم)... وتكرار هاتين الآيتين، هو للتسرية عن قلب النّبي(ص) وتسليته ومن معه من الصحابة القلة وكذلك المؤمنين في كل عصر ومصر لئلا يستوحشوا في الطريق من قلة أهله وكثرة الأعداء... وليطمئنوا إلى رحمة الله وعزته، كما أن هذا التكرار بنفسه تهديد للغاوين الضالين. وإشارة إلى أنه لو وجدوا الفرصة في حياتهم وأمهلهم الله إمهالا فليس ذلك عن ضعف منه سبحانه، بل هو من رحمته وكرمه! ملاحظات 1 - القلب السليم - وحده - وسيلة النجاة في اثناء كلام إبراهيم الخليل(ع) قرأنا ضمن ما ساقته الآيات المتقدمة من تعابير في وصف القيامة، أنّه لا ينفع في ذلك اليوم شيء (إلاّ من أتى الله بقلب سليم). (السليم) مأخوذ من السلامة، وله مفهوم واضح، وهو السالم والبعيد من أيّ انحراف أخلاقي وعقائدي، أو أيّ مرض آخر!... تُرى... ألمْ يقل الله القرآن في شأن المنافقين (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).(7) ونلاحظ تعاريف للقلب السليم في عدد من الأحاديث الغزيرة المعنى. 1 - ففيّ حديث عن الإمام الصادق(ع) - ذيل الآية محل البحث(8) - يقول فيه: "وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط". 2 - ونعلم من جهة أُخرى أن العلائق المادية الشديدة وحب الدنيا... كل ذلك يجرّ الإنسان إلى كل انحراف وخطيئة، لأن "حبّ الدنيا رأس كل خطيئة"(9). ولذلك فالقلب السليم هو القلب الخالي من حبّ الدنيا، كما ورد هذا المضمون في حديث للإمام الصادق(ع) - ذيل محل البحث - إذ يقول: "هو القلب الذي سلم من حبّ الدنيا".(10) ومع الإلتفات إلى الآية (197) من سورة البقرة إذ تقول: (وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى)... يتّضح أن القلب السليم هو القلب الذي يكون محلا لتقوى الله. 3 - وآخر ما نقوله - هنا - أنّ القلب السليم هو القلب الذي ليس فيه سوى الله، كما يجيب الإِمام الصادق(ع) على سؤال في هذا الشأن فيقول: "القلب السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد سواه".(11) ولا يخفى أن المراد من القلب في مثل هذه الموارد هو روح الإنسان ونفسُه. وهناك مسائل كثيرة وردت في الروايات الإسلامية تتحدث حول سلامة القلب والآفات التي تصيبه، وطريق مبارزتها ومكافحتها، ويستفاد من مجموع هذا المفهوم الإسلامي المتين أن الإسلام يهتم قبل كلّ شيء بالأساس الفكري والعقائدي والأخلاقي، لان جميع المناهج التطبيقية والعملية للإنسان هي إنعكاسات لذلك الأساس وآثاره!... فكما أنّ سلامة القلب الظاهرية سبب لسلامة الجسم، وأن مرضه سبب لمرض أعضائه جميعاً، لأنّ تغذية الخلايا في البدن تتمّ بواسطة الدم الذي يتوزع ويُرسل إلى جميع الأعضاء بإعانةِ القلب على هذه المهمّة... فكذلك هي الحال بالنسبة لسلامة مناهج حياة الإنسان وفسادها، كل ذلك انعكاس عن سلامة العقيدة والأخلاق أو فسادهما... ونختتم هذا البحث بحديث عن الإمام الصادق(ع) إذ قال: "إنّ القلوب أربعة: قلب فيه نفاق وإيمان، وقلب منكوس، وقلب مطبوع، وقلب أزهرُ أجرد; "أجرد من غير الله" إلى أن قال(ع): وأمّا الأزهر فقلب المؤمن، إن أعطاه شكر وإن ابتلاه صبر. وأمّا المنكوس فقلب المشرك (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوّياً على صراط مستقيم) فإن القلب الذي فيه إيمان ونفاق، فهم قوم كانوا بالطائف، فإن أدرك أحدُهم أجله على نفاقه هلك، وإن أدركه على إيمانه نجا".(12) 2 - وجاء في الروايات متعددة عن الإمامين الصادقين (أبي جعفر وأبي عبد الله(ع)) في تفسير (فكبكبوا فيها هم والغاوون) قولهما: "هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره".(13) وهذا الحديث يدل على أنّ القول بلا عمل قبيح ومذموم جدّاً، إذ يلقي أصحابه في النار، فأولئك قوم ضالون مضلّون، وكلامهم يهدي، الناس إلى الحق، بينما عملهم يجرّهم إلى الباطل، بل إن عملهم كاشف عن عدم إيمانهم بأقوالهم! وينبغي الإلتفات - ضمناً - إلى أن كلمة "غاوون" المأخوذة من "الغيّ" لا تعني الضلال مطلقاً، بل كما يقول الراغب في المفردات: هو نوع من الجهل والضلال الناشيء عن فساد العقيدة. 3 - وردت في ذيل الآية (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) روايات متعددة، وبعضها صريحة في أن: "الشافعون الأئمّة والصديق من المؤمنين".(14) وجاء في حديث آخر عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله(ص) يقول: "إن الرجل يقول في الجنّة: ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم، فيقول الله: أخرجوا له صديقه إلى الجنّة، فيقول من بقي في النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم".(15) وبديهي أنّه لا الشفاعة بدون معيار وملاك، ولا السؤال في شأن الصديق دون حساب، فلا بد من وجود ارتباط أو علاقة بين الشفيع والمشفوع له ليتحقق هذا الهدف... "بينّا تفصيل هذا الموضوع في بحث الشفاعة، في تفسير الآية 48 من سورة البقرة - فليُراجع في محله". ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المقصوص ﴿لَآيَةً﴾ دلالة لمن اعتبر ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم﴾ أكثر قوم إبراهيم ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ به.