لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير طمأنينة الروح في ظل الإِيمان: لما شرحت الآيات السابقة بعضاً من حالات المشركين والأفراد غير المؤمنين، بيّنت هذه الآيات حال المؤمنين المخلصين المجاهدين المتقين الذين يقعون في الطرف المقابل لأُولئكَ تماماً، حتى يعرف النور من الظلمة، والسعادة من الشقاء من خلال المقارنة بينهم كما هو شأن القرآن وطريقته دائماً. تقول الآية أوّلا: (ألا إِنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ومن أجل فهم دقيق لمحتوى هذا الكلام لابدّ أن نعرف معنى الأولياء جيداً. "الأولياء" جمع ولي، وقد أخذت في الأصل من مادة: ولي، يلي، بمعنى عدم وجود واسطة بين شيئين، وتقاربهما وتتابعهما، ولهذا يطلق على كل شيء له نسبة القرابة والقرب من شيء آخر سواء كان من جهة المكان أو الزمان أو النسب أو المقام، بأنّه ولي، ومن هنا استعملت هذه الكلمة بمعنى الرئيس والصديق وأمثال ذلك. بناءً على هذا، فإِنّ أولياء الله هم الذين لايوجد حاجب وحائل بينهم وبين الله، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ويتقلبون في نور المعرفة والإِيمان والعمل الخالص، و يرون الله بعيون قلوبهم بحيث لايجد الشك أي طريق إِلى تلك القلوب الوالهة، وبالنظر لهذه المعرفة بالله الأزلي والقدرة اللامحدودة والكمال المطلق، فإِنّ كل شيء سوى الله حقير في نظرهم ولا قيمة له، وفان لا أهمية له. إِنّ من يرى المحيط يزهد في القطرة، ومن ينظر الى نور الشمس لا يهتم بنور الشمعة. ومن هنا يتّضح أنّ هؤلاء لماذا لايخافون، لأنّ الخوف ينشأ عادة من احتمال فقدان النعم التي يمتلكها الإِنسان، أو من الأخطار التي يمكن أن تهدده في المستقبل، كما إِنّ الغم والهم يرتبط عادة بما يتعلق بالماضي، ويستولي على الإِنسان نتيجة فقدانه لإِمكانيات وثروات كانت تحت يده. إِنّ أولياء وأحباء الله الحقيقيين متحررون من كل أشكال الإِرتباط والتعلق بعالم المادة، ويحكم "الزهد" بمعناه الحقيقي وجودهم، فهم لا يجزعون من فقدان الممتلكات المادية ولا يخافون من المستقبل، ولا يشغلون أفكارهم بمثل هذه المسائل. وبناءً على ذلك فإِن الغموم والأخاويف التي ترتبط بالماضي والمستقبل، والتي تجعل الآخرين في حال اضطراب وقلق دائم، لا سبيل لها إِلى وجود هؤلاء. إِنّ الماء في الإناء الصغير قد يهتز من نفخة إِنسان، لكن المحيط الكبير لا يتأثر حتى بالعاصفة، ولذلك سمّوه المحيط الهادي: (لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) (1). فلم يكن لهم تعلّق بما كان في ايديهم سابقاً، ولا يصيبهم الغم والحزن في اليوم الذي سيفارقونه، فإِنّ روحهم أكبر، وفكرهم أسمى من أن تؤثر فيهم مثل هذه الحوادث في الماضي والمستقبل. على هذا الأساس فإِنّ الأمن والطمأنينة الواقعية هي الحاكمة على وجودهم، وعلى حدّ قول القرآن: (أُولئك لهم الأمن) (2) ، وبتعبير آخر: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (3). والخلاصة هي أنّ الحزن والخوف عند البشر يتولّدان عادة من حبّ الدنيا، فمن الطبيعي أن لايصيب هؤلاء الذين نفضوا ايديهم وقلوبهم من حبها خوف، أو حزن. كان هذا هو البيان الإِستدلالي للمسألة، وقد يعرض هذا الموضوع أحياناً ببيان آخر يتحذ شكلا عرفانياً بهذه الصورة: إِنّ أولياء الله غارقون في صفات جماله وجلاله، وذائبون في مشاهدة ذاته المقدسة إِلى الحد نسوا كل شيء غيره، ومعلوم أنّ الغم والحزن والخوف والوحشة تحتاج حتماً إِلى تصور فقدان وخسارة شيء ما، أو مواجهة عدو أو موجود خطر، فمن لم يجعل لغير الله مكاناً في قلبه ولا طريقاً الى فكره، ولا يقبل في روحه إِله غيره، كيف يمكن أن يغتم ويخاف ويستوحش؟ لقد اتّضحت ممّا قلناه هذه الحقيقة أيضاً، وهي أنّ المقصود من الغموم هي الغموم المادية والأخاويف الدنيوية، وإِلاّ فإِنّ وجود أولياء الله مملوء بالخوف والخشية.. الخوف من عدم أداء الواجبات والمسؤولية. والأسف والحسرة على أن يكون قد فاتهم شيء من الموفقية، ولهذا الخوف والحسرة صفة معنوية، فهما أساس تكامل وجود الإِنسان ورقيّه، بعكس الخوف والحزن الدنيويين فهما أساس الإِنحطاط والتسافل. يقول أميرالمؤمين (ع) في خطبته المعروفة مع همام، حيث يجسد فيها حالات أولياء الله في أرقى وصف: "قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة"، ثمّ يقول: "ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاً إِلى الثواب، وخوفاً من العقاب" (4). ويقول القرآن المجيد - أيضاً - في شأن المؤمنين: (الذين يخشون ربّهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون) (5). وبناء على ذلك فإِنّ لهؤلاء خوفاً آخر. ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ﴾ أهل طاعته ﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يوم القيامة.