إلاّ أنّ المشركين الحمقى، حين رأوا سُبُلَ ما تذرّعوا به من الحجج الواهية موصدة، تمسكوا بهذه المسألة، فـ (قالوا أنؤمن لك وأتبعك الأرذلون).
إن قيمة الزعيم ينبغي أن تعرف ممن حوله من الأتباع، وبعبارة أخرى "إن الولي يعرف من زوّاره - كما يقال" فحين نلاحظ قومك يا نوح، نجدهم حفنةً من الأراذل والفقراء والحفاة والكسبة الضعاف، قد داروا حولك، فكيف تتوقع أن يتبعك الاثرياء الأغنياء الشرفاء والوجهاء ويخضعوا لك؟!
وصحيح أنّهم كانوا صادقين ومصيبين في أنّ الزعيم يُعرف عن طريق أتباعه، إلاّ أن خطأهم الكبير هو عدم معرفتهم مفهوم الشخصية ومعيارها... إذ كانوا يرون معيار القِيَم في المال والثروة والألبسة والبيوت والمراكب الغالية والجميلة، وكانوا غافلين عن النقاء والصفاء والتقوى والطهارة وطلب الحق، والصفات العليا للإنسانية الموجودة في الطبقات الفقيرة والقلّة من الاشراف.
إن روح الطبقية كانت حاكمة على أفكارهم في أسوأ أشكالها، ولذلك كانوا يسمّون الفقراء الحفاة بالأراذل.
و "الأراذل" جمع (أرذل) كما أنّه جمع (للرذل) ومعناه الحقير... ولو كانوا يتحررون من قيود المجتمع الطبقي، لأدركوا جيداً أن إيمان هذه الطائفة نفسها دليل على حقانية دعوة النّبي وأصالتها!
﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ الذين لا مال لهم ولا عز، من غير بصيرة، جعلوا اتباع هؤلاء مانعا من إيمانهم.