وعلى فرض أن هؤلاء يستطيعون بافتراءاتهم وأكاذيبهم أن ينالوا المال والمقام لعدّة أيّام، فإِنّ ذلك (متاع في الدنيا ثمّ إِلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب بما كانوا يفترون).
الواقع أنّ هذه الآية والتي قبلها ذكرتا نوعين من العقاب لهؤلاء الكذابين الذين نسبوا إِلى الله تهمة اتّخاذ الولد:
الأوّل: إِنّ هذا الكذب والإِفتراء لايمكن أن يكون أساساً لفلاح ونجاح هؤلاء أبداً، ولا يوصلهم إِلى هدفهم مطلقاً، بل إِنّهم يصبحون حيارى تائهين تحيط التعاسة والشقاء والهزيمة بأطرافهم.
الثّاني: على فرض أنّهم استطاعوا أن يستغفلوا الناس ويخدعوهم بهذه الكلمات لعدة أيّام، ويصلوا عن طريق الديانة الوثنية إِلى رفاه وعيش رغيد، إلاّ أنّ هذا التمتع لا دوام ولا بقاء له، والعذاب الإِلهي الخالد في انتظارهم.
ملاحظات
1 - إِنّ كلمة "سلطان" تعني هنا الدليل، وهذه الكلمة أعمق وأبلغ من كلمة الدليل، لأنّ الدليل بمعنى الدلالة والإِرشاد أمّا السلطان فهو الشيء الذي يسلط الإِنسان على الطرف المقابل، ويناسب موارد البحث والجدال والنقاش، وهو إِشارة إِلى الدليل القاطع القوي.
2 - "المتاع" يعني الشيء الذي يستفيد منه الإِنسان ويتمتع به، ومفهومه واسع جداً يشمل كل لوازم ووسائل الحياة والمواهب المادية.
يقول الراغب في المفردات: كلما ينتفع به على وجه ما، فهو متاع ومتعة.
3 - إِنّ التعبير بـ (نذيقهم) الذي ورد في شأن العذاب الإِلهي يشير إِلى أنّ هذا العذاب الذي سينال هؤلاء بدرجة من الشدّة بحيث كأنّهم يذوقونه بألسنتهم وأفواههم، وهذا التعبير أبلغ جداً من المشاهدة، بل وحتى من لمس العذاب.
﴿مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا﴾ يتمتعون به أياما قلائل ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ بالموت ﴿ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ﴾ بالنار ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ بكفرهم.