التّفسير
جانب من جهاد موسى وهارون:
لقد جرى ذكر قصص الأنبياء والأُمم السابقة كنماذج حيّة، وبدأ الحديث أوّلا عن نوح (ع) ، ثمّ عن الأنبياء بعد نوح، ووصل الدور في هذه الآيات إِلى موسى وهارون (عليهما السلام) ومواجهاتهم المستمرة مع فرعون وأتباعه، فتقول الآية الأُولى: (ثمّ بعثنا من بعدهم موسى وهارون إِلى فرعون وملئه بآياتنا) (1).
"الملأ" كما أشرنا إِلى ذلك سابقاً تطلق على الأشرف الأثرياء اللامعين الذين يملأ ظاهرهم العيون ويلاحظ حضورهم في كل مكان من المجتمع.
وتأتي عادة في مثل هذه الآيات محل البحث بمعنى المناصرين والمشاورين والملتفين حول شخص ما.
ونرى الكلام في هذه الآيات يدور حول بعثة موسى إِلى فرعون وملئه فقط، في حين أنّ موسى مبعوث لكل الفراعنة وبني إِسرائيل، وعلّة ذلك أنّ مقدرات المجتمع في يد الهيئة الحاكمة، وبناءً على هذا فإِنّ أي برنامج إِصلاحي وثوري يجب أن يستهدف هؤلاء أوّلا، كما تقول ذلك الآية (12) من سورة التوبة: (فقاتلوا أئمّة الكفر).
إِلاّ أنّ فرعون وأتباعه امتنعوا عن قبول دعوة موسى، وعن التسليم في مقابل الحق: (فاستكبروا) ونظراً للتكبر والإِستعلاء وعدم امتلاكهم لروح التواضع فإِنّهم لم يلتفتوا إِلى الحقائق الواضحة في دعوة موسى، وأصرّوا واستمروا في إِجرامهم: (وكانوا قوماً مجرمين).
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم﴾ بعد أولئك الرسل ﴿مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا﴾ التسع ﴿فَاسْتَكْبَرُواْ﴾ على الإيمان ﴿وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ عاصين.