التّفسير
المرحلة الرّابعة: مرحلة البناء من أجل الثّورة:
شرحت هذه الآيات مرحلة أُخرى من نهضة وثورة بني إِسرائيل ضد الفراعنة.
فتقول أولا: (وأوحينا إِلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة) فالأمر الالهي يقرر اختيار البيوت لبني اسرائيل بمصر وان تكون هذه البيوت متقاربة ومتقابلة.
ثمّ تطرقت إِلى مسألة تربية النفس معنوياً وروحياً، فقالت: (وأقيموا الصلاة) ومن أجل أن تطرد آثار الخوف والرعب من قلوب هؤلاء وتعيد وتزيد من قدرتهم المعنوية والثّورية قالت: (وبشّر المؤمنين).
يستفاد من مجموع هذه الآية أنّ بني إِسرائيل كانوا في تلك الفترة بصورة جماعة متشتتة مهزومة ومتطفلة وملوّثة وخائفة، فلا مأوى لهم ولا اجتماع مركزي، ولا برنامجاً معنوياً بنّاء، ولا يمتلكون الشجاعة والجرأة اللازمة للقيام بثورة حقيقية.
لذلك فإِنّ موسى وأخاه هارون قد تلقوا مهمّة وضع برنامج في عدّة نقاط من أجل تطهير مجتمع بني إِسرائيل، وخاصّة في الجانب الروحي:
1 - الإِهتمام أوّلا بمسألة بناء المساكن، وعزل مساكنهم عن الفراعنة، وكان لهذا العمل عدّة فوائد:
إِحداها: أنّهم بتملّكهم المساكن في بلاد مصر سيشعرون برابطة أقوى تدفعهم للدفاع عن أنفسهم وعن ذلك الماء والتراب.
والأُخرى: أنّهم سينتقلون من الحياة الطفيلية في بيوت الأقباط إِلى حياة مستقلة.
والثّالثة: أنّ أسرار أعمالهم وخططهم سوف لا تقع في أيدي الأعداء.
2 - أن يبنوا بيوتهم متقاربة ويقابل بعضها الآخر.
لأنّ القبلة في الأصل بمعنى حالة التقابل، وإِطلاق كلمة القبلة على ما هو معروف اليوم إنّما هو معنىً ثانوي لهذه الكلمة (1).
وأدّى هذا العمل الى تجمع وتمركز بني إِسرائيل بشكل فاعل، واستطاعوا بذلك وضع المسائل الإِجتماعية بعامّة قيد البحث والتحقيق، وأن يجتمعوا مع بعضهم لأداء المراسم الدينية والشعائر المذهبية، وأن يرسموا الخطط اللازمة من أجل حريتهم.
3 - التوجه إِلى العبادة، وخاصّة الصلاة التي تحرر الإِنسان من عبودية العباد، وتربطه بخالق كل القوى والقدرات، وتغسل قلبه وروحه من لوث الذنوب، وتحيي فيه الشعور بالإِعتماد على النفس وعلى قدرة الله حيث ستدب وتنبعث روح جديدة في الإِنسان.
4 - إنّ هذه المهمّة وجهت الأمر لموسى - باعتباره قائداً - بأن يطهّر روح بني إِسرائيل من اشكال الخوف والرعب التي كانت من افرازات سنين العبودية والذلة الطويلة.
وأن يربي وينمي فيهم الإِرادة والشهامة والشجاعة وذلك عن طريق بشارة المؤمنين بالفتح والنصر النهائي، ولطف الله ورحمته.
الملفت للنظر أنّ بني إِسرائيل من أولاد يعقوب، وجماعة منهم من أولاد يوسف طبعاً، وقد حكم هو و اخوته مصر سنين طويلة، وسعوا في عمران هذا الوطن، إلاّ أنّه نتيجة لتركهم طاعة الله والغفلة والخلافات الداخلية وصلوا إِلى مثل هذا الوضع المأساوي.
إِنّ هذا المجتمع المسحوق المصاب يجب أن يبنى من جديد، ويمحو نقاط ضعفه ويستبدلها بالخصال الروحية البناءة ليعيد عظمة الماضي.
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا﴾ اتخذا ﴿لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ للسكنى أو العبادة ﴿وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ مصلى إذا منعكم فرعون الصلاة في مساجده ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ أديموها ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالنصر والجنة خطاب لموسى أو لمحمد.