التّفسير
الاصول الاربعة في دعوة الأنبياء:
تبدأ هذه السورة - كما في بداية السورة السابقة وسائر سور القرآن - ببيان أهمية الكتاب العزيز المنزل من السماء، ليلتفت الناس إِلى محتوياته أكثر ويتفكروا فيه بنظرة أدق.
وذكر الحروف المقطعة (الر) - نفسه - دليل على أهمية هذا الكتاب السماوي العزيز الذي يتشكل من حروف بسيطة معروفة للجميع مثل الألف واللام والراء(الر) (1) مع ما فيه من عظمة وإِعجاز بالغين، ثمّ يبيّن بعد هذه الحروف المقطعة واحدة من خصائص القرآن الكريم في جملتين.
أوّلا: إِنّ جميع آياته متقنة ومحكمة (كتاب أُحكمت آياته).
وثانياً: إِنّ تفصيل حاجات الإِنسان في حياته الفردية والإِجتماعية - مادية كانت أو معنوية - مبيَّن فيها أيضاً (ثمّ فُصِّلَتْ).
هذا الكتاب العظيم مع هذه الخصيصة، من أين أُنزل، وكيف؟!
أُنزل من عند ربّ حكيم وخبير (من لدن حكيم خبير).
فبمقتضى حكمته أُحكمت آيات القرآن، وبمقتضى أنّه خبير مطلع بيّن آيات القرآن في مجالات مختلفة طبقاً لحاجات الإِنسان، لأنّ من لم يطلع على تمام جزئيات الحاجات الروحية والجسمية للإِنسان لايستطيع أن يصدر احكاماً جديرة بالتكامل.
الواقع، إِنّ كل واحدة من صفات القرآن التي جاءت في هذه الآية تسترفد من واحدة من صفات الله.. فاستحكام القرآن من حكمته، وشرحه وتفصيله من خبرته.
وفي بيان ماهو الفرق بين (أُحكمت) و (فُصلت) بحث المفسّرون كثيراً وأبدوا احتمالات عديدة.. وأقرب هذه الإِحتمالات - بحسب مفهوم الآية آنفة الذكر - هو أنّ الجملة الأُولى تعني أنّ القرآن مجموعة واحدة مترابطة كالبنيان المرصوص الثابت، كما تدل على أنّه نازل من إِله فرد، ولهذا فلايوجد أي تضادٍّ في آياته، ولا يُرى بينها أي اختلاف.
﴿الَر﴾ مبتدأ ﴿كِتَابٌ﴾ خبره أو خبره محذوف ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ أتقنت فلا خلل فيها في اللفظ والمعنى ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ بينت بالأحكام والمواعظ والقصص ﴿مِن لَّدُنْ﴾ من عند ﴿حَكِيمٍ﴾ في أفعاله ﴿خَبِيرٍ﴾ بمصالح خلقه.