لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير الهدف من الخَلق: في هذه الآية بُحثت ثلاث نقاط أساسية: المطلب الأوّل: يبحث عن خلق عالم الوجود - وخصوصاً بداية الخلق - الذي يدل على قدرة الله وعظمته سبحانه (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيّام...). ولا حاجة لبيان أنّ المقصود من كلمة "اليوم" في هذه الآية ليس هو اليوم العادي الذي هو مجموع أربع وعشرين ساعة، لأنّ الأرض والسماء لم تكونا موجودتين حينئذ.. فلا الكرة الأرضية كانت موجودة، ولا حركتها حول نفسها التي تُنتج أربعاً وعشرين ساعة.. بل المقصود منه - كما بينا سابقاً - هو الزمان، سواء كان قصيراً أو مديداً جداً بحيث يبلغ مليارات السنوات مثلا، وقد نبهنا على هذا المعنى - في ذيل الآية (54) من سورة الأعراف - بشرح واف في هذا المجال، فلا حاجة للتكرار والإِعادة. وذكرنا هُناك أن خلق العالم كان في ستة أزمنة متوالية ومتتابعة، مع أنّ الله قادر على أن يخلق العالم كلّه في لحظة واحدة، وذلك لأنّ الخلق التدريجي يعطي صورة جديدة ولوناً جديداً وشكلا بديعاً وتتبيّن قدرة الله وعظمته أكثر وأحسن. فهو يريد أن يبيّن قدرته في آلاف الصور لا بصورة واحدة، وحكمته في آلاف الثياب لا بثوب واحد، لتتيسر معرفته وكذلك معرفة حكمته وقدرته للناس، ولنجد الدلائل - من خلال عدد الأيّام والسنوات والقرون والأعصار التي مرّت على العالم - على معرفة الله!.. ثمّ يضيف سبحانه أن عرشه كان على الماء (وكانَ عرشهُ على الماء). ومن أجل أن نفهم تفسير هذه الجملة ينبغي أن نفهم المراد من كلمتي "العرش" و"الماء". "فالعرش" في الأصل يعني السقف أو ما يكون له سقف، كما يطلق على الأسرّة العالية كأسّرة الملوك والسلاطين الماضين، ويطلق أيضاً على خشب بعض الأشجار، وغير ذلك. ولكن هذه الكلمة استعملت بمعنى القدرة أيضاً ويقال "استوى فلان على عرشه" كناية عن بلوغه القدرة كما يقال "ثُلَّ عرش فلان" كنايةً عن ذهاب قدرته (1). كما ينبغي الإِلتفات إِلى هذه الدقيقة، وهي أن العرش يطلق أحياناً على عالم الوجود، لأنّ عرش قدرة الله يستوعب جميع هذا العالم. وأمّا "الماء" فمعناه معروف، وهو السائل المستعمل للشرب والتطهير، إِلاّ أنّه قد يطلق على كل سائل مائع كالفلزّات المائعة وما أشبه ذلك، وبضميمة ما قلناه في تفسير هاتين الكلمتين يستفاد أنّه في بدايه الخلق كان الكون بصورة مواد ذائبة "مع غازات مضغوطة للغاية، بحيث كانت على صورة مواد ذائبة أو مائعة". وبعدئذ حدثت اهتزازات شديدة وانفجارات عظيمة في هذه المواد المتراكمة الذائبة، وأخذت تتقاذف أجزاء من سطحها إِلى الخارج، وأخذ هذا الوجود المترابط بالإِنفصال. ثمّ تشكلت بعد ذلك الكواكب السيّارة والمنظومات الشمسية والأجرام السماوية. فعلى هذا نقول: إِنّ عالم الوجود ومرتكزات قدرة الله كانت مستقرة بادىء الأمر على المواد المتراكمة الذائبة، وهذا الأمر هو نفسه الذي أشير إِليه في الآية (30) من سورة الأنبياء. (أوَ لم يرَ الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي...). وفي الخُطبة الأُولى من نهج البلاغة إِشارات واضحة إِلى هذا المعنى.. والمطلب الثّاني: الذي تشير إِليه الآية - آنفة الذكر - هو الهدف من خلق الكون، والقسم الأساس من ذلك الهدف يعود للإِنسان نفسه الذي يمثل ذورة الخلائق.. هذا الإِنسان الذي كتب عليه أن يسير في طريق التعليم والتربية ويشقّ طريق التكامل نحو الله تعالى يقول الله سبحانه: (ليبلوكم أيّكم أحسن عملا) أي ليختبركم ويمتحنكم أيّكم الأفضل والأحسن عملا بهذه الدار الدنيا. "ليبلوكم" كلمة مشتقّة من مادة "البلاء" و"الإِبتلاء" ومعناها - كما أشرنا إِليه آنفاً - الإِختبار والإِمتحان.. والإِمتحانات الإِلهية ليست من قبيل معرفة النفس وكشف الحالة التي عليها الإِنسان في محتواه الداخلي وفي فكره وروحه، بل بمعنى التربية (تقدم شرح هذا الموضوع في ذيل الآية 155 من سورة البقرة) والطريف في هذه الآية أنّها تجعل قيمة كل إِنسان بحسن عمله لا بكثرة عمله، وهذا يعني أن الإِسلام يستند دائماً إِلى الكيفية في العمل لا إِلى الكثرة والكمية فيه. وفي هذا المجال ينقل عن الإِمام الصادق (ع) أنّه قال "ليس يعني أكثركم عملا ولكن أصُوَبكم عملا، وإِنّما الإِصابة خشية الله والنيّة الصادقة. ثمّ قال: الإِبقاء على العمل حتى يخلص أشدّ من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إِلاّ الله عزَّوجلّ" (2). والمطلب الثّالث: الذي تشير إِليه الآية آنفة الذكر - هو مسألة المعاد الذي لا ينفصل ولا يتجزأ عن مسألة خلق العالم، وفيها بيان الهدف من الخلق وهو تكامل الإِنسان وتكامل الإِنسان يعني التهّيؤ إِلى الحياة في عالم أوسع وأكمل، ولذلك يقول سبحانه: (ولئن قلت أنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إِلاّ سحر مبين). وكلمة "هذا" التي وردت - في الآية آنفة الذكر - على لسان الكفار، إِشارة إِلى كلام النّبي (ص) في شأن المعاد.. أي إِنّ ما تدّعيه أيّها النّبي في شأن المعاد سحر مكشوف وواضح، فعلى هذا تكون كلمة السحر هنا بمعنى الكلام العاري عن الحقيقة، والقول الذي لا أساس له، وبتعبير بسيط: الخدعة والسخرية!! لأنّ السَحَرة يُظهرون للناظرين بأعمالهم أُموراً لا واقع لها، ولهذا قد تطلق كلمة السحر على كل أمر عار عن الحقيقة.. أمّا من يرى بأنّ "هذا" إِشارة إِلى القرآن المجيد، لأنّ القرآن أخّاذ وفيه جاذبية السحر فإنّه يجانب الصواب، لأنّ الآية تتكلم عن المعاد ولا تتكلم عن القرآن، وإِن كنّا لا ننكر أنّ القرآن فيه جاذبية وأنّه أخّاذ للغاية. ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ مقدارها كما مر من الأحد إلى الجمعة ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ قبل خلقها والماء قائم بقدرة الله أو على متن الريح ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ متعلق بخلق ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أصوبه ﴿وَلَئِن قُلْتَ﴾ لهم ﴿إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا﴾ القول ﴿إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ تمويه بين لا حقيقة له وقرىء ساحر والضمير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).