سبب النزول
وردت في شأن نزول الآيات المتقدمة روايتان، ويحتمل أن تكون كليهما صحيحتين جميعاً.
الأُولى: إِنّ جماعة من رؤوساء مكّة جاؤوا إِلى النّبي (ص) ، وقالوا: إِذا كنت صادقاً في دعواك بأنّك نبي فصير جبال مكّة ذهباً أو أئتنا بملائكة من السماء تصدّق نبوتك، فنزلت هذه الآيات.
والثّانية: إِنّه روي عن الإِمام الصادق (ع) أن رسول اللّه (ص) قال لعلي (ع): "يا علي إنّي سألت ربّي يوالي بيني وبينك ففعل، وسألت ربّي أن يؤاخي بيني وبينك ففعل، وسألت ربّي أن يجعلك وصيي ففعل" فقال رجلان من قريش - من المخالفين -: والله لصاع تمر في شن بال أحب إلينا ممّا سئل محمّد ربّه، فهلاً سئل ربّه ملكاً يعضده على عدوه، أو كنزاً يستغني به عن فاقته؟... (1) فنزلت الآيات السابقة لتكون جواباً لأُولئك..
التّفسير
القرآن المعجزة الخالدة:
يبدو من هذه الآيات أنّ النّبي (ص) كان يوكل إِبلاغ الآيات - نظراً للجاجة الأعداء ومخالفتهم - لأخر فرصة، لذا فإِنّ الله سبحانه ينهي نبيّه في أوّل آية نبحثها عن ذلك بقوله: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إِليك وضائق به صدرك) لئلا يطلبوا منك معاجز مقترحة كنزول كنز من السماء، أو مجيء الملائكة لتصديقه (أنْ يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك).
وكما يستفاد من آيات القرآن الأُخرى كما في سورة الإِسراء (الآيات 90 - 93) - إِنّ هؤلاء لا يطلبون هذه المعاجز ليصدقوا دعوى النّبي ويتبعوا الحق، بل هدفهم اللجاجة والعناد والتّحجج الواهي، فلذلك تأتي الآية معقبة (إِنّما أنت نذير) سواءاً قبلوا دعواك أم لم يقبلوا، وسخروا منك أم لم يسخروا، فالله هو الحافظ والناظر على كل شيء (والله على كل شيء وكيل) أي لا تكترث بكفرهم وإيمانهم فإنّ ذلك لا يعنيك، وإنّما وظيفتك أن تبلغهم، والله سبحانه هو الذي يعرف كيف يحاسبهم، وكيف يعاملهم.
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ فلا تبلغهم إياه لاستهزائهم به ﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ بتلاوته عليهم كراهة ﴿أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ﴾ هلا ﴿أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾ ينفقه ﴿أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ﴾ يصدقه ﴿إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ﴾ وما عليك إلا البلاغ ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ حفيظ فيجازيهم بقولهم وفعلهم.