التّفسير
الآيات أعلاه أكملت الحجة مع "دلائل إِعجاز القرآن" على المشركين والمنكرين، ولكن جماعة منهم امتنعوا عن القبول - لحفظ منافعهم الشخصيّة - بالرّغم من وضوح الحق، فالآيات هذه تشير إِلى مصير هؤلاء فتقول: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) من رزق مادي وشهرة وتلذذ بالنعم (نُوَفِّ إليهم) نتيجة (أعمالهم فيها) في هذه الدنيا (وهم فيها لايبخسون) أي لا ينقص من حقهم شيء في الدنيا!
"البخس" في اللغة نقصان الحق، وجملة (وهم فيها لا يُبخسون) إِشارة إِلى أنّهم سينالون نتيجة أعمالهم بدون أقل نقصان من حقوقهم.
هذه الآية سنة إِلهية دائمة، وهي أنّ الأعمال "الإِيجابية" والمؤثرة لاتضيع نتائجها، مع فارق وهو أنّه إِذا كان الهدف الأصلي منها هو الوصول إِلى الحياة المادية في هذه الدنيا فإِنّ ثمراتها في الدنيا فحسب، وأمّا إِذا كان الهدف هو "الله" وكسب رضاه فإِنّ تأثيرها ونتائجها ستكون في الدنيا وفي الآخرة أيضاً حيث تكون النتائج كثيرة الثمار.
الواقع إنّ القسم الأوّل من هذه الأعمال كالبناية المؤقتة والقصيرة العمر، فلا يستفاد منها إلاّ قليلا، ثمّ مصيرها الى الزوال والفناء.
أمّا القسم الثّاني منها فإِنّها تشبه البناء المرصوص المحكم الذي يدوم قروناً وينتفع به مدّة مديدة.
وهذا من قبيل مانراه بوضوح على أرض الواقع المعاش، فالعالم الغربي فتح أسراراً كثيرة من العلم بسعيه المتواصل والمنسّق، وأصبح متسلطاً على قوى الطبيعة وحصل على مواهب كثيرة لتصديه الدائب لمشاكل الحياة الدنيوية بصبر واستقامة وجد.
فلا كلام في نيل العالم الغربي جزاء أعماله وتحقيقه انتصارات مشرقة، ولكن لأنّ هدفه الحياة الماديّة فحسب، فإِنّ أعماله لاتثمر غير توفر الإِمكانات المادية، حتى الأعمال الإِنسانية كبناء المستشفيات والمراكز الصحية والمراكز الثقافية وإِعانة بعض الأُمم الفقيرة وأمثال ذلك، "مصيدة" لاستعمارهم واستثمارهم للآخرين.. فلأنّها تحمل هدفاً مادياً فقط ومن أجل حفظ المنافع المادية فإِنّ أثرها يكون ماديّاً فحسب.
كذلك الحال بالنسبة لمن يعمل رياءً.
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ بأعماله البر ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ جزاؤها بالصحة والسعة ونحوهما ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ في الدنيا ﴿لاَ يُبْخَسُونَ﴾ لا ينقصون.